التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

باب شهادة القاذف والسارق والزاني

          ░8▒ (باب شَهَادَةِ القَاذِفِ وَالسَّارِقِ وَالزَّانِي).
          قوله: (وَجَلَدَ عُمَرُ، أَبَا بَكْرَةَ، وَشِبْلَ بْنَ مَعْبَدٍ، وَنَافِعًا بِقَذْفِ المُغِيرَةِ، ثمَّ اسْتَتَابَهُمْ، وَقَالَ: مَنْ تَابَ قَبِلْتُ شَهَادَتَهُ)
          اسم أبي بكرة: نفيع بضم النون وفتح الفاء وإسكان المثنَّاة من تحت ابن الحارث الثقفي، و(شِبْلَ) بكسر الشين المعجمة وإسكان الموحَّدة، و(مَعْبَدٍ) بفتح الميم والباء الموحَّدة، وهذا التعليق رواه الشافعي عن سفيان قال: سمعت الزهري يقول: زعم أهل العراق أن شهادة المحدود ما تجوز، فأشهد لأخبرني أن عمر بن الخطاب قال لأبي بكرة: تب، وأقبل شهادتك، قال الزهري: سمى الذي أخبره فحفظته ثمَّ نسيته، فلما قمنا سألت من حضر، فقال لي: عمر بن قيس هو ابن المسيب، فقال الشافعي: فقلت له: هل شككت فيما قال؟ قال: لا، هو ابن المسيب من غير بينتك، قال الشافعي: فكثيرًا مما سمعته يحدث به قد سمى سعيدًا، وكثيرًا ما سمعته يقول: عن سعيد إن شاء الله.
          قال البيهقي: وقد رواه غيره من أهل الحفظ عن سعيد ليس فيه شك بزيادة: أن عمر استتاب الثلاثة، فتاب اثنان، فأجاز شهادتهما وأتى أبو بكرة فرد شهادته، قال الطحاوي: ابن المسيب لم يأخذه عن عمر إلا بلاغًا؛ لأنَّه لم يصحُّ له عنه سماع وإن كان رآه، والدليل على أن الحديث لم يكن عند سعيد بالقوي أنَّه كان يذهب إلى خلافه، فروى قتادة عنه وعن الحسن أن القاذف إذا تاب بينه وبين ربه ╡ لا تقبل شهادته، ومستحيل أن يسمع من عمر شيئًا بحضرة الصحابة ولا ينكرونه عليه ولا يخالفونه ثمَّ يتركه إلى خلافه، ولأبي داود الطيالسي عن قيس بن سالم الأفطس عن قيس بن عاصم قال: كان أبو بكرة إذا أتاه رجل ليشهده قال: أشهد غيري، فإن المسلمون قد منعوني، فإن قلت: إذا لم يتب فكيف ذكره في الصَّحيح؟ قلت: أجاب الإسماعيلي في «مدخله» بأن الخبر مخالف للشهادة، ولهذا لم يتوقف أحد من أهل المصرين في الرواية عنه، ولا طعن أحد على روايته من هذه الجهة، فصار قبول خبره جاريًا (1) مجرى الإجماع كما كان يرد شهادة / القاذف قبل التوبة جاريًا مجرى الإجماع، وقد أجاز شهادته بعد التوبة مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وخلق، وعن أبي حنيفة: إنَّها لا تقبل، ووافقه شريح وحده.
          قوله: (وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ. إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا}[النور:4-5]) أي: قال الجمهور: فإنَّه يزول عنهم فسقهم، وتقبل شهادتهم قبل الحد وبعده، ولا يسقط عنهم الحد، وقِيلَ: لا تقبل مطلقًا، وقِيلَ: لا تقبل بعد الحد وتقبل قبله، وقِيلَ عكسه، وتوبته أو بإكذابه نفسه أو بالندم أو بالاستغفار، وبترك العود إلى مثله، ومحل بسطه كتب الأصول.
          وقال ابن التين: في الآية ثلاثة أقوال: الأول: إنَّه استثناء من الشهادة، وهو مذهب المدنيين، والثاني: من الفسق، وهو مذهب أبي حنيفة، والثالث: إن الاستثناء من الأحكام الثلاثة، وإذا تاب قبلت شهادته، وزال عنه الحد واسم الفسق، ذكر هذا الشعبي، قال: وهو خلاف ما ذكره عنه البخاري أولًا.
          قوله: (وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ الْأَمْرُ عِنْدَنَا بِالْمَدِينَةِ إِذَا رَجَعَ الْقَاذِفُ عَنْ قَوْلِهِ واسْتَغْفَرَ رَبَّهُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ) أبو الزناد هو الفقيه المدني عبدالله بن ذكوان، روى له الجماعة.
          قوله: (وَكَيْفَ تُعْرَفُ تَوْبَتُهُ) هذا عطف على ترجمة أوَّل الباب، كأنَّه قال: باب شهادة القاذف والسارق والزاني وباب كيف تعرف توبته، وكثيرًا ما يفعله البخاري يرد من ترجمة على ترجمة، وإن بعد ما بينهما، وأراد بقوله: (وَكَيْفَ تُعْرَفُ تَوْبَتُهُ) إلى آخره الاحتجاج لقول مالك: إنَّه ليس من شرط توبة القاذف تكذيب نفسه وتخطئتها، والرد على من خالفه في أنَّ ذلك ذلك من شرط التوبة، واستدلَّ البخاري على أن القاذف يكون تائبًا بإصلاح حاله دون إكذاب نفسه أو اعترافه بالمعصية أو مخالفته لأمر الله بلسانه أنَّه لم يشترط ذلك على الزاني في مدة تغريبه، ولا على كعب وصاحبه في مدة الهجر، فإن ادعى اختصاص توبة القاذف بذلك؛ فالبيان لازم عليه، وقال ابن التين: المشكل في هذا توبة القاذف المحق في قذفه إذا لم يكمل معه النصاب لا يجوز له أن يكشف ستر المقذوف، فإذا قذفه حيث لا نصاب كان عاصيًا لله وإن كان صادقًا في قذفه، فيتوب من المعصية في الإعلان، لا من الصدق. قوله: (وقد نَهَى النَّبيُّ / صلعم عَنْ كَلَامِ كعْب بْنِ مَالِكٍ وَصَاحِبيهِ (2) حَتَّى مَضَى خَمْسُونَ لَيْلَةً) هذان التعليقان قد أسندهما: أمَّا الأول؛ ففي آخر هذا الباب من حديث زيد بن خالد، وأمَّا الثاني فمن بعد، وصاحبا كعب هما مرارة بن الربيع العمري وهلال بن أمية الموافقي الذين خُلِّفوا عن تبوك، ووجه تعلق قضيتهم بالترجمة: أنَّ تخلفهم عن رسول الله صلعم بغير إذنه معصية كالسرقة ونحوها.


[1] في الأصل:((عارياً)).
[2] في الأصل:((وصاحبه)).