التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

باب شهادة الأعمى

          ░11▒ (باب شَهَادَةِ الأَعْمَى وَأَمْرِهِ وَنِكَاحِهِ وَإِنْكَاحِهِ وَمُبَايَعَتِهِ وَقَبُولِهِ فِي التَّأْذِينِ وَغَيْرِهِ، وَمَا يُعْرَفُ بِالأَصْوَاتِ)
          اعلم أنَّ التعاليق التي أوردها البخاري فيه خلا ما ذكره عن عطاء كلَّها ذكرها ابن أبي شيبة فقال: حدَّثنا معاذ بن معاذ عن أشعث عن الحسن وابن سيرين قالا: شهادة الأعمى جائزة، وحدَّثنا ابن مهدي عن سفيان عن ابن أبي ذئب عن الزهري: أنَّه كان يجيز شهادة الأعمى، وحدَّثنا يحيى بن فُضيل عن يحيى بن سعيد قال: سألت الحكم بن عتيبة، فقلت: إن القاسم بن محمَّد سُئِلَ عن الأعمى، فقال: تجوز شهادته ويؤمُّ القوم، فقال: وما يمنعه أن يؤمَّ ويشهد، وحدَّثنا حفص بن غياث عن أشعث عن الحسن قال: لا تجوز شهادة الأعمى إلا أن يكون شيئًا قد رآه قبل أن يذهب بصره، وقال أبو محمَّد ابن حزم: صحَّ عن عطاء أنَّه أجاز شهادة الأعمى، وأثر الشعبي رواه أبو بكر عن وكيع عن الحسن بن صالح وإسرائيل عن عيسى بن أبي عزة عنه أنَّه أجاز شهادته.
          وأثر الحكم رواه أيضًا عن ابن مهدي عن شعبة قال: سألت الحكم عن شهادة الأعمى، فقال: رب شيء يجوز فيه، يريد: إذا كان شيء يعلم بالصوت أو اللمس أو نحوه، واحتجاج الزهري بابن عبَّاس؛ لأنَّه كُفَّ بصره في آخر عمره كأبيه وجدِّه، وكذا ابن عمر وأبو قحافة وأبو حميد الساعدي، ذكره ابن التين، وتعليق عائشة تقدَّم في المكاتَب، وأثر سمرة ورد حديث يخالفه أخرجه ابن منده في كتاب «الصحابة» أنَّه ╕ كلمته امرأة وهي منتقبة، فقال: ((أسفري فإن الإسفار من الإيمان))، / ومنتقبة بضم الميم ونون ساكنة ومثنَّاة من فوق مفتوحة وقاف مكسورة وباء موحَّدة، ويُروى بتقديم التاء على النون.
          قوله: (وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: تَجُوزُ شَهَادَتُهُ إِذَا كَانَ عَاقِلًا) أي: إذا كان فطنًا كيسًا ذا إدراك للأمور الدقيقة.
          قوله: (وَقَالَ الزُّهْرِيُّ أَرَأَيْتَ ابْنَ عَبَّاسٍ لَوْ شَهِدَ عَلَى شَهَادَةٍ كنتَ تردُّ شَهَادَته؟) يعني: لا تردُّه مع أنَّ ابن عبَّاس أعمى.
          قوله: (وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَبْعَثُ رَجُلًا إِذَا غَابَت الشَّمْس، فإن قال: قد توارت الشمس أفطر) وجه تعلُّقه بترجمة الباب: بيان قبول الأعمى قول الغير في الطلوع والغروب، أو بيان أمر الأعمى.
          قوله: (وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ اسْتَأْذَنْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَعَرَفَتْ صَوْتِي فقَالَتْ: ادْخُلْ فَإِنَّكَ مَمْلُوكٌ مَا بَقِيَ عَلَيْكَ شَيْءٌ) إن قيل: هذا مشكل؛ لأنَّه كان مكاتبًا لميمونة لا لعائشة، قيل: لا بُدَّ من تأويله: إمَّا أن (عَلَى) بمعنى: من، أي: استأذنت من عائشة في الدخول على ميمونة، فقالت: ادخل عليها، أو لعلَّ أن مذهبها أنَّ النظر إلى العبد حلال، سواء كان ملكها أم لا، أو يمنع أنَّه لم يكن مكاتبًا لعائشة.