التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

باب قبول الهدية من المشركين

          ░28▒ (باب قَبُولِ الهديَّة مِنَ المُشْرِكِينَ).
          قوله: (وقال أبو هريرة عن النَّبي صلعم : هَاجر إبراهيم، فَدَخَلَ قَرْيَةً فِيهَا مَلِكٌ أَوْ جَبَّارٌ) إلى آخره، هذا التعليق عن أبي هريرة تقدَّم في البيوع مسندًا.
          قوله: (فَقَالَ: أَعْطُوهَا آجَرَ) بفتحتين بوزن فَاعَل، وفي بعضها: <هاجر> بقلب الهمزة هاء، وهاجر هي أم إسماعيل، وسارة هي أم إسحاق ‰.
          قوله: (وَأُهْدِيَتْ لِلنَّبِيِّ صلعم شَاةٌ فِيهَا سُمٌّ) أي: مسمومة، هذا قد أسنده بعد من حديث أنس، ويأتي في الجزية مطولًا، والـمُهدية للشاة امرأة اسمها زينب بنت الحارث أخت مرحب اليهودي زوج سلام بن مشكم، وقِيلَ: زينب بنت أخي مرحب، وكان الإهداء بخيبر وفي السم لغتان: فتح السين المهملة وضمها.
          قوله: (وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: أَهْدَى مَلِكُ أَيْلَةَ لِلنَّبِيِّ صلعم بَغْلَةً بَيْضَاءَ) أمَّا أبو حميد؛ فاسمه المنذر، وقِيلَ: عبدالرَّحمن بن سعد الساعدي الخزرجي.
          وأمَّا (أَيْلَةَ)؛ فبفتح الهمزة وسكون المثنَّاة من تحت بليدة على ساحل البحر آخر الحجاز وأوَّل الشام، وأمَّا ملكها مهدي البغلة؛ فهو ابن العَلماء، وفي «الهدايا» لابن إسحاق الحربي عن علي: أهدى ابن عبَّاس.. (1) إلى رسول الله صلعم بغلة بيضاء، وهذا التعليق عن أبي حميد تقدَّم مسندًا / في الزكاة، وعند مسلم: جاء رسول من العلماء صاحب أيلة بكتاب إلى رسول الله صلعم ، وفي مسلم: أنَّه صلعم كان يوم حنين على بغلة بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي وهذه غير تلك، خلافًا لما وقع للنووي.
          قال المهلَّب: وفي الحديث قبول هديَّة المشرك، ومكافأة المشرك على هديته؛ لأنَّه صلعم كساه بردًا، وفي الترمذي: أنَّه صلعم ردَّ هديَّة المشريك، وقال: ((نهيت عن زبد المشركين)) وصححه، وزبد المشركين: هداياهم، وهو معارَض بقوله: (هداياهم)، فيكون ناسخًا لها.
          قيل: ويُحتمل أنَّه إنَّما تركها لما في ذلك من تأنيس المشركين والتحابب، ومن حاد الله ورسوله صلعم وشاقهما حرم على المؤمنين موالاته، وإنَّما قبل هديَّة من رجا إسلامه ليتألفه طمعًا في إسلامه، وقد روى معمر عن الزهري عن عبدالرَّحمن بن كعب بن مالك قال: جاء ملاعب الأسنَّة إلى رسول الله صلعم بهدية فعرض عليه الإسلام، فأبى أن يسلم، فقال: ((إني لا أقبل هديَّة مشرك)).
          قوله: (وَكَتَبَ لَهُ بِبَحْرِهِمْ) أي: كتب له حكومة أرضهم وديارهم، لا البحر الذي هو ضد البر، قال الكرماني: هذا هو الظاهر. قلت: العرب تسمي المدن والقرى: البحار، ومنه قول سعد: لقد اصطلح أهل هذه البحرة على أن يتوجوه ويعصبوه، يعني: عبدالله بن أبي بن سلول، وقوله صلعم للذي سأله عن الهجرة: ((اعمل من وراء البحار، فإن الله لن يتِرك من عملك شيئًا)) والله أعلم.
          والكاتب والكاتبين (2) هو النَّبيُّ صلعم ، وفي الحديث جواز تأمير المشرك الذمي على قومه لما في ذلك من طوعهم له وانقيادهم.
          وفيه جواز نسبة الفعل إلى الآمر لقوله: كتب ورسول الله صلعم لم يكتب، وإنَّما أمر صلعم بالكتابة، قال المهلَّب: وقبول الشاة المسمومة دليل على أكل طعام من يحل أكل طعامه دون أن يسأل عن أصله ولا يحترس من حيث إن كان فيه مع جواز ما قد ظهر له من القسم، فدلَّ ذلك على حمل الأمور على السلامة حتَّى يتبيَّن خلافها.


[1] كلمة غير مفهومة في الأصل.
[2] كذا في الأصل.