التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

باب الهبة للولد

          ░12▒ (باب الهِبَةِ لِلْوَلَدِ، وَإِذَا أَعْطَى بَعْضَ وَلَدِهِ شَيْئًا لَمْ يَجُزْ، حَتَّى يَعْدِلَ بَيْنَهُمْ وَيُعْطِيَ الآخَرِينَ مِثْلَهُ)
          هذه الترجمة لهذا الباب منتزعة من حديث النعمان بن بشير أن أباه أتى به النَّبي صلعم فقال: إني نحلت ابني هذا غلامًا إلى آخر ما ذكره البخاري في الحديث الثاني في هذا الباب، وذكره أيضًا في كتاب الشهادات، وقال فيه: ((لا أشهد على جور))، ومن قال: إن أمره بالاسترجاع كان على وجه الاستحباب وأنَّه في عدم العدل بين أولاده خالف السنَّة والأمر المستحب احتجَّ بقوله: ((أشهِد على هذا غيري))، فأذن في الشهادة.
          قلت: وقد يقول المخالف: إن قوله صلعم : ((أشهد على هذا غيري)) من باب: ((افعلوا ما شئتم))، و{ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ}[الدخان:49] والله أعلم.
          قوله: (وَلاَ يُشْهَدُ عَلَيْهِ) هو بضم المثنَّاة من تحت وفتح الهاء أي: لا يسوغ للشهود أن يشهدوا على ذلك لامتناع النَّبي صلعم ، وهو عطف على قوله: (لم يجز)، وفي بعضها: (يُشْهَدُ) بدون كلمة لا، والأولى هي المناسبة لحديث عمر.
          قوله: (وقد قال النَّبِيُّ صلعم : اعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ فِي الْعَطِيَّةِ) هذا قد أسنده في الباب بعده بدون لفظ (الْعَطِيَّةِ).
          قوله: (وَهَلْ لِلْوَالِدِ أَنْ يَرْجِعَ فِي عَطِيَّتِهِ) هذا قد أسنده بعد بقوله: (فَارْجِعْهُ).
          قوله: (وَمَا يَأْكُلُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ بِالْمَعْرُوفِ، وَلاَ يَتَعَدَّى) ومراده: أنَّه إذا جاز له ارتجاع هبته كما في الحديث جاز الأكل، وهذا يدل على أن مذهبه الصحة، وقوله: (وَمَا يَأْكُلُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ) إلى آخره هو عند الحاكم مرفوعًا من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وحسنه الترمذي من حديث عائشة، قال ابن التين: وجميع ما في ترجمة / هذا الباب يظهر استخراجه من حديث النعمان إلا هذا.
          قوله: (وَاشْتَرَى النَّبِيُّ صلعم مِنْ عُمَرَ بَعِيرًا ثمَّ أَعْطَاهُ ابْنَ عُمَرَ، وَقَالَ: اصْنَعْ بِهِ مَا شِئْتَ) قال ابن بطَّال: وجه مناسبته للترجمة: أن فيه تأكيد التسوية بين الأولاد في الهبة والعدل بينهم؛ لأنَّه صلعم لو سأل عمر أن يهبه لابنه عبدالله لم يكن عدلًا بين بني عمر، فلذلك اشتراه صلعم ووهبه لابن عمر، ووجه مناسبة قوله: (وَمَا يَأْكُلُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يَتَعَدَّى) أن جواز الأكل _ وهو انتزاع لما يأكله من ماله الأصلي الذي لم يتقدَّم له فيه ملك _إذا لم يكن ممنوعًا منه؛ فلأن ينتزع ما وهبه منه لحقه السابق فيه أولى.