التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

حديث: إن كنا لننظر إلى الهلال ثم الهلال ثلاثة أهلة في شهرين

          2567- قوله: (عَنْ عَائِشَةَ ♦، أَنَّهَا قَالَتْ لِعُرْوَةَ: ابْنَ أُخْتِي) هو بفتح الهمزة والنصب على النداء.
          قوله: (إِنْ كنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الهِلاَلِ) (إن) هي المخففَّة من الثقيلة، وضميرها مستتر، وبهذا أدخلت اللام في الخبر.
          قوله: (ثَلاَثَةَ أَهِلَّةٍ) يجوز في (ثَلاَثَةَ) ثلاثة أوجه: الجر والنصب والرفع.
          قوله: (فَقُلْتُ يَا خَالَةُ: مَا كَانَ يُعِيشُكُمْ؟) من التعيش، وفي بعضها: (يغشيكم) من التغشية.
          قوله: (فقَالَتْ: الْأَسْوَدَانِ التَّمْرُ وَالْمَاءُ) هذا من باب التغليب، فإن التمر أسود كما هو الغالب على تمر المدينة، وأضيف إليه الماء وغُلِّب الأشهر، كالعمرين والقمرين وكالأبيضين اللبن والماء وأشباه ذلك، وقال ابن سيده: فسره أهل اللغة بالتمر والماء، وعندي أنَّها أرادت: الجرة والليل، قيل لهما: الأسودان لاسودادهما، وذلك لأنَّ وجود التمر والماء عندهم مشبع ومروي، وخصب لا سغب، وإنَّما أرادت عائشة أن تبالغ في شدة الحال، وينتهي بذلك إلى أن لا يكون معها إلا الليل والجرة، وهذا أذهب في سوء الحال من التمر والماء.
          قوله: (إِلَّا أَنَّهُ كَانَ لِرَسُولِ اللهِ صلعم جِيرَانٌ) بكسر الجيم (لَهُمْ مَنَائِحُ) جمع منيحة، وهي الناقة أو الشاة فيها اللبن تعطيها غيرك ليحلبها، ثمَّ يردها عليك، وزعم بعضهم: أن المنيحة لا تكون إلا ناقة، قال الداوودي: ويقال العطية ركوب الدواب، ولبس الثياب العارية مشدَّدة ومخففَّة، قال اللحياني: ولا تكون المنيحة إلا المعارة للبن خاصة، وقِيلَ: كل شيء يقتصد به قصد شيء فقد منحته إياه كما تمنح المرأة وجهها للمرأة، وما تقدَّم من زعم بعضهم أن المنيحة لا تكون إلا ناقة ولا تكون شاة حكاه القزاز والأعرف الأول، وقد تكون المنيحة عطية للرقبة بمنافعها مؤبدة مثل الهدية.
          قوله: (وَكَانُوا يَمْنَحُونَ) بفتح أوله وثالثه وبضم أوله وكسر ثالثه، أي: يجعلونها له منحة أو عارية من المنح، وهو العطاء، قال المهلَّب: وفي حديث أبي هريرة _ أي: وهو (لَا تَحْقِرَنَّ) _ الحض على التهادي ولو باليسير / لما فيه من استجلاب المودة وإزالة العداوة، ولما فيه من التعاون على أمر المعيشة، وأيضًا فإن الهديَّة إذا كانت يسيرة كانت أدل على المودة وأسقط للمؤنة وأسهل على المهدي، وإنَّما أشار بالفرسن إلى المبالغة في القليل من الهدية، لا إلى إعطاء الفرسن؛ لأنَّ أحدًا لا يفعل ذلك، وفي حديث عائشة بيان زهد رسول الله صلعم وصبره على التقلل وأخذ البُلغة من العيش، وإيثار الآخرة على الدنيا.
          وفيه حجة لمن آثر الفقر على الغنى، وفيه أنَّ السنَّة مشاركة الواجد المعدوم.