التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: عرضت علي الأمم فجعل النبي والنبيان يمرون معهم الرهط

          5705- قوله: (حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ): تَقَدَّمَ أنَّه مُحَمَّد بن فُضَيل، وأنَّ (فُضَيلًا) مُصغَّرٌ، وأنَّه بالضاد المُعْجَمة [خ¦281]، و(حُصَيْنٌ) بعده: بِضَمِّ الحاء وفتح الصاد المُهْمَلتين، وأنَّ الأسماء بالضَّمِّ، والكنى بالفتح [خ¦110]، وهذا هو حُصَين بن عبد الرحمن، و(عَامِر): هو الشَّعْبيُّ ابن شَراحيل، و(عِمْرَان ابْن حُصَيْنٍ): هو بِضَمِّ الحاء وفتح الصَّاد المُهْمَلتين.
          تنبيهٌ: في حاشية أصلنا بخطِّ بعض فضلاء الحنفيَّة من أصحابنا ما لفظه: (قال البُخاريُّ: الشَّعْبيُّ عن عمران مُرْسَل)، انتهى، والظَّاهر أنَّه أخذه من الدِّمْيَاطيِّ، وبيانُه: أنَّ شيخنا ذكر ذلك أيضًا، والظاهر أَخْذُه له من الدِّمْيَاطيِّ؛ وذلك لأنَّ كثيرًا مِن حواشيه في الأسماء والغريب يجعلها في «شرحه» من غير عزوٍ إليه، قال شيخنا هنا: (قال البُخاريُّ في بعض نسخه: استفدنا مِن هذا أنَّ حديث عمران مُرْسَل، وحديث ابن عَبَّاس مُسنَد)، انتهى، وهو مع إرساله موقوفٌ هنا، وقد أخرجه موقوفًا عن عامرٍ عن عمران أبو داود والتِّرْمِذيُّ، ثُمَّ قال التِّرْمِذيُّ: (وروى هذا الحديث شعبةُ عن حُصَين، عن الشَّعْبيِّ، عن بريدةَ)، انتهى، وحديث عامر عن بريدة موقوفًا في «مسلم»، وفي «ابن ماجه» مرفوعًا، قال المِزِّيُّ: (وتابعهما شعبة عن حُصَين، ورواه غير واحد عن الشَّعْبيِّ عن عمران بن حُصَين، وهو المحفوظ، وسيأتي، ورواه العَبَّاس ابن ذَرِيح عن الشَّعْبيِّ عن أنس)، انتهى، أخرج حديث عامر عن أنس أبو داود.
          وقد راجعتُ «التَّذهيب» للذَّهبيِّ؛ فلم يذكرْ أنَّ روايتَه عن عمران مُرسَلَة، بل قال: سمع من فلان، وفلان، وفلان، وذكر فيهم عمرانَ بن حُصَين، وذكر قبل ذلك جماعةً أرسل عنهم، وذكر في ترجمة عمرانَ بنِ حُصَين أنَّه روى عنه الشَّعْبيُّ، وأطلق ولم يقيِّد، والعلائيُّ صلاح الدين شيخ شيوخنا مع جمعه كتابًا في المراسيل لم يذكر أنَّه أرسل عن عمران بنِ الحُصَين، وكذا عبد الغنيِّ في «الكمال» قال: إنَّه روى عن عمران، وأطلق، والله أعلم.
          قوله: (لَا رُقْيَةَ إِلَّا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ): (الحُمَة)؛ بِضَمِّ الحاء المُهْمَلة، وتخفيف الميم، وعلى التَّخفيف اقتصر في «المطالع» وفي «النِّهاية»، وقد تُشدَّد، وأنكره الأزهريُّ، وأصلها: حُمَوٌ وحُمَيٌ، بوزن: (صُرَد)، والهاء فيها عوضٌ مِن الواو المحذوفة والياء، انتهى؛ ومعناه: أي: لدغه ذي حُمَة؛ كالعقرب وشبهها، والحمة: فَوْعَة السُّمِّ، وقيل: السُّمُّ نفسه، والفوعة: حدَّته وحرارته.
          فإن قيل: فما الجمع بين هذا وبين الأحاديث التي فيها الرَّقي؛ كحديثٍ في «أبي داود» عن أبي الدَّرداء مرفوعًا: «مَن اشتكى منكم شيئًا؛ فليقل: ربَّنا الله الذي في السَّماء، تقدَّس أمرك في السَّماء والأرض...»؛ الحديث، وحديث مسلم عن أبي سعيد: (أنَّ جبريل أتى رسول الله صلعم، فقال: يا مُحَمَّد؛ اشتكيتَ؟ فقال جبريل: بسم الله أَرقِيك...)؛ الحديث، والجوابُ: أنَّه صلعم لم يُرِد نفي جواز الرُّقية في غيرها، بل المراد: لا رقيةَ أولى وأنفع منها في العين والحُمة، ويدلُّ عليه: سياق الحديث في غير «الصَّحيح»، فإنَّ سهل بن حنيف قال لمَّا أصابته العين: (أوَفي الرُّقى خيرٌ؟ قال: لا رقيةَ إلَّا في نفس أو حمة)، ويدلُّ عليه: سائر أحاديث الرُّقى العامَّة والخاصَّة؛ كحديث أنس في «أبي داود» مرفوعًا: (لا رقيةَ إلَّا من عين، أو حمة، أو دم يَرقأ)، وفي «مسلم» عنه(1) أيضًا: (رخَّص رسولُ الله صلعم في الرُّقية من العين، والحُمة، والنَّملة)، والله أعلم.
          قوله: (مَعَهُمُ الرَّهْطُ): تَقَدَّمَ الكلام عليه [خ¦27].
          قوله: (سَوَادٌ عَظِيمٌ): (السَّواد): الأشخاص.
          قوله: (إِلَى الأُفْـُقِ): هو بِضَمِّ الهمزة، وإسكان الفاء وضمِّها: جانب السَّماء.
          قوله: (سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ): هؤلاء الظَّاهر أنَّهم مِن مقبرة واحدة، وهي البقيع، وسأذكر الكلام عليه في (باب: يدخل الجنَّة سبعون ألفًا بغير حساب) إن شاء الله تعالى ذلك وقدَّره [خ¦81/50-9747].
          قوله: (هُمُ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ...)؛ الحديث: تنبيهٌ: وقع في «مسلم»: (لا يرقون ولا يسترقون)، قال ابن قَيِّم الجَوزيَّة في «الهدي» وفي «حادي الأرواح»، واللَّفظ لـ«حادي الأرواح» ما نصُّه: (وليس عند البُخاريِّ: «لا يرقون»، قال شيخنا _يعني: أبا العَبَّاس ابن تيمية الحافظ الإمام_: وهو الصَّواب، وهذه اللَّفظة وقعت مقحمة في الحديث، وهو(2) غلط من بعض الرواة، فإنَّ النَّبيَّ صلعم جعل الوصف الذي استحقَّ به هؤلاء دخول الجنَّة بغير حساب هو تحقيق التوحيد وتجريده، فلا يسألون غيرهم أن يرقيهم، ولا يتطيَّرون، والطيرة: نوع مِن الشِّرك، ويتوكَّلون على الله ╡ وحده، لا على غيره، وتركُهم الاسترقاء والتَّطيُّر هو من تمام التوكُّل على الله؛ كما في الحديث: «الطيرة شركٌ»، قال ابن مسعود: «وما منَّا إلَّا مَن يتطيَّر، ولكنَّ الله يُذهِبه بالتوكُّل»، فالتوكُّل ينافي التَّطيُّر، وأمَّا رقية الغير؛ فهو إحسان مِن الراقي، وقد رقى رسولَ الله صلعم جبريلُ، وأذن في الرُّقى، وقال: «لا بأسَ بها ما لم يكن فيها شركٌ...») إلى آخر كلامِه. /
          قوله: (فَقَالَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ): (عُكَّاشة)؛ بتشديد الكاف وتخفيفها، و(مِحصَن)؛ بكسر الميم، قال ابن قُرقُول: (ومحصن والد أمِّ قيس، ووجدت الأصيليَّ ضبط اسم أبيها: بِضَمِّ الميم وكسرها)، انتهى، وأمُّ قيس(3) تَقَدَّمَتْ، وأنَّ اسمها آمنة، ويقال: جذامة، وهي أخت عُكَّاشة ابن محصن [خ¦223]، وعُكَّاشة صَحَابيٌّ مشهور بدريٌّ، وهو أحد السابقين، وكان من أجمل الرِّجال وأشجعهم، قال البُخاريُّ: (أُصِيب في عهد أبي بكر ☻، قاله ابن إسحاق)، وقال سليمان التيميُّ: (قُتِل عُكَّاشة في سريَّة بعثها رسول الله صلعم إلى بني أَسَد)، والصَّحيح الأوَّل، فإنَّه استُشهِد في قتال طلحة الأسديِّ أيَّام الرِّدَّة، كان طليعةً لجيش خالد بن الوليد، ومناقبه معروفة ☺ ولو لم يكن إلَّا هذه المنقبة.
          قوله: (فَقَامَ آخَرُ...) إلى آخره: هذا الرَّجل يقال: إنَّه سعد بن عبادة، قاله الخطيب البغداديُّ، وبَعْدَه النَّوَويُّ، وسأذكر عليه كلامًا حسنًا من عند السُّهيليِّ في (باب من يدخل الجنَّة بغير حساب) [خ¦6541]، وأذكر هناك حكمةً في كون الثاني ليس منهم إن شاء الله تعالى ذلك.


[1] في (أ): (عند)، ولعلَّ المُثْبَت هو الصَّواب.
[2] في هامش (أ): (لعلَّه: وهي)، وفي المطبوع من مصدره: (هي)، وضمير المذكر يمكن أن يعود على الإقحام.
[3] في (أ): (محصن)، وليس بصحيح، والتصويب من الموضع السابق.