التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب بركة الغازي في ماله حيًا وميتًا مع النبي وولاة الأمر

          قوله: (بَابُ بَرَكَةِ الْغَازِي فِي مَالِهِ حَيًّا وَمَيِّتًا...) إلى آخر الترجمة: كذا رويناه: (بركة)؛ بالموحَّدة، قال القاضي: (كذا ترجم البُخاريُّ، وذكر تركة الزُّبَير ووصيَّته، وهي وإن كانت توضِّح صحَّة هذه الرواية؛ فهو وَهَمٌ؛ لقوله بعد ذلك: «حيًّا وميِّتًا» وما بعده)، ولفظ ابن قرقول: (ترجم البُخاريُّ: «باب بركة الغازي في ماله»، وسقط للأصيليِّ: «في ماله»، ورواه بعضهم: «باب تركة الغازي»، وذكر تحتها تركة الزُّبَير ووصيَّته، وإن كانت تظهر صحَّة هذه الرواية؛ فهي وَهَمٌ؛ لقوله بعد ذلك: «حيًّا وميِّتًا» وما بعده)، انتهى.
          فالحاصل: أنَّ (بركة) _بالموحَّدة_ الصواب، وأنَّ (تركة) _بالمُثَنَّاة فوق_ وَهَمٌ، والله أعلم.
          ذكر ابن المُنَيِّر حديث الباب بلا إسناد، ثُمَّ قال: (وجه مطابقة الترجمة للحديث: أنَّ الزُّبَير ما وسَّع الله عليه بولاية ولا جباية، بل ببركة غزوه مع النَّبيِّ صلعم، فبارك الله له في سهامِه من المغانم؛ لطيب أصلها، وسداد معاملته، ووهَّم شارحُ «البُخاريِّ» راويَ الحديث في حساب الجملة، فقال: التحقيق أنَّها سبعة(1) وخمسون ألفَ ألفٍ وتسع(2) مئةِ ألفٍ، ووَهِمَ الشارح أيضًا، إنَّما هي: «وستُّ مئة ألفٍ»)، انتهى(3).
          قال الدِّمْيَاطيُّ في قوله: (فجميع ماله خمسون ألفَ ألفٍ ومئتا ألف) ما لفظه: روى ابن سعد في «الطبقات» حديثَ عبد الله بن الزُّبَير هذا في قتل الزُّبَير ووصيَّتِه بدَينه وثلث ماله، عن أبي أسامة حَمَّاد ابن أسامة بنحو حديث البُخاريِّ فطوَّله، غير أنَّه خالفه في موضع واحد؛ وهو قوله: (أصاب كلَّ امرأة من نسائه ألف ألفٍ ومئةَ ألفٍ)، وعند البُخاريِّ: (ومئتا ألف)، وعلى هاتين الروايتين لا تصحُّ قسمة خمسينَ ألفَ ألفٍ على دَينه ووصيَّته وورثته، وإنَّما [تصحُّ] قسمتها إن لو كان لكلِّ امرأة ألفُ ألفٍ، فيكون الثُّمُن أربعةَ آلافِ ألفٍ، فتصحُّ قسمة الورثة من اثنين وثلاثين ألفَ ألفٍ، ثُمَّ يضاف إليها الثلث؛ وهو ستَّةَ عَشَرَ ألفَ ألفٍ، فتصير الجملتان ثمانيةً وأربعين ألفَ ألفٍ، ثُمَّ يضاف إليها الدَّين ألفا ألفٍ ومئتا ألفٍ، فصارت الجملة خمسين ألفَ ألفٍ ومئتا ألفٍ، ومنها تصحُّ، ورواية ابن سعد تصحُّ من خمسة وخمسين ألفَ ألفٍ، ورواية البُخاريِّ من تسعة وخمسين ألفَ ألفٍ وثمان مئة ألفٍ، فيجوز أن يكون المراد بقوله: (فجميع ماله خمسون ألفَ ألفٍ ومئتا ألفٍ) قيمةَ تَرِكَته عند موته، لا ما زاد عليها بعد موته من غلَّة الأَرَضين والدور في مدَّة أربع سنين قبل قسمة التركة، ويدلُّ عليه ما رواه الواقديُّ عن أبي بكر ابن أبي سَبْرَة، عن هشام، عن أبيه قال: (كان قيمةَ ما ترك الزُّبَير إحدى وخمسون _أو اثنتان وخمسون_ ألفَ ألفٍ)، وروى ابن سعد عن القعنبيِّ، عن ابن عُيَيْنَة قال: (قُسِم ميراث الزبير على أربعين ألفَ ألفٍ).
          وذكر الزُّبَير بن بكَّار بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزُّبَير في بني عديٍّ عاتكةَ بنت زيد بن عمرو بن نُفيل، زوجَ الزُّبَير ☺، وأنَّ عبد الله بن الزُّبَير بعث إليها بثمانين ألف درهمٍ، فقبضَتْها، وصالحَتْ عليها، وبين قول الزُّبَير بن بكَّار هذا وبين(4) قول غيره بَونٌ بعيد، والعجب من الزُّبَير بن بكَّار مع تتبُّعه هذا العَلَم وتنقيره عنه كيف خَفِيَ عليه توريث آبائه وأحوال تركاتهم؟!.
          وذكر أيضًا: أنَّ الزُّبَير قُتِلَ وهو ابن سبع _أو ستٍّ_ وستِّين سنةً، وأنَّه كان أبيضَ أشعرَ الكتفين، خفيفَ العارضين، طويلًا تخطُّ رِجلاه الأرض، وذكر كلامًا آخر، انتهى.
          وقد رأيت كلام ابن بطَّال في التعقُّب بحساب الجملة، وتَعقُّبَ ابنِ المُنَيِّر له، والله أعلم.
          تنبيهٌ: ورأيت بخطِّ بعض(5) الفقهاء الحنفيَّة من الفرضيِّين من أصحابنا ورفاقنا ما لفظه: (إذا أصاب كلَّ امرأة ألفُ ألفٍ ومئتا ألفٍ؛ يكون جميع المال سبعةً وخمسين ألفَ ألفٍ وستَّ مئة ألفٍ، لا خمسون ألفَ ألفٍ ومئتا ألفٍ كما قال؛ إذ لو كان كذلك؛ لأصاب كلَّ امرأة ألفُ ألفٍ وخمسةٌ وأربعون ألفًا وثمان مئة وثلاثة وثلاثون وثلث، والله أعلم)، انتهى.
          ولا تعجب من كثرة هذا المال، فمجموعُ ما تصدَّق به عبد الرَّحْمَن بن عوف أكثرُ من هذا المال، وقد ذكرته في (كتاب الزكاة)؛ فانظره [خ¦1415].
          تنبيهٌ ثانٍ: حديث الزُّبَير هذا ذكره المِزِّيُّ في «أطرافه» في (مسند الزُّبَير بن العَوَّام)، قال شيخُنا: (وذكره أصحاب «الأطراف» في مسند الزُّبَير، والأشبه أن يكون من مسند ابنه؛ لأنَّ أكثرَه / من كلامِه، ولقوله: «وما وَلِيَ إمارةً قطُّ إلَّا أن يكون في غزوةٍ مع رسول الله صلعم»، وهذه اللفظة فيها معنى الرفع، وعند الإسماعيليِّ عن جويرية: حدَّثنا أبو أسامة: حدَّثنا هشام، عن أبيه، عن عبد الله...)، ثُمَّ ذكر طريق البُخاريِّ إلى عبد الله بن الزُّبَير، والمِزِّيُّ(6) ذكره في مسند الزُّبَير، وعنه: ابنه عبد الله.


[1] في النسختين: (تسعة)، وفوقها في (أ): (كذا)، والمثبت من «المتواري» و«شرح ابن بطَّال».
[2] في النسختين: (وثمان)، وفوقها في (أ): (كذا)، والمثبت من «المتواري» و«شرح ابن بطَّال».
[3] (انتهى): ليس في (ب)، «المتواري» (ص193▒، وكتب في هامش (أ) وفي (ب): (تُقْرَأ الفرجة)، وكأنَّها سقطت من المجموع.
[4] (بين): ليس في (ب).
[5] زيد في (ب): (الفضلاء).
[6] في (ب): (والذي)، وهو تحريفٌ.