التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب ما ذكر من درع النبي وعصاه وسيفه وقدحه وخاتمه

          قوله: (بَابُ مَا ذُكِرَ فِي دِرْعِ النَّبِيِّ صلعم...) إلى آخر الترجمة: ذكر ابن المُنَيِّر ما ذكره البُخاريُّ بغير إسناد، ثُمَّ قال: (وجْهُ الترجمة وأحاديثها في الفقه: تحقيقُ أنَّه صلعم لم يُورَث، وأنَّ آلاتِه بقيت عند من وصلت إليه للتبرُّك، ولو كان ميراثًا؛ لاقتسمها ورثته)، انتهى.
          وقد ذكر البُخاريُّ في الحديث الأول: خاتمه، وفي الثاني: نعليه، وفي الثالث: كساءَه، وفي الرابع: قَدَحه، وفي الخامس: سيفه، والسادس لم يتعرَّض فيه لشيء، ولم يذكر هنا دِرْعَه؛ استغناءً بحديث عائشة الذي أسلفه غَيْرَ مَرَّةٍ: (ودِرْعُه مرهونةٌ عند يهوديٍّ) [خ¦2916]، وكذا حديث أنس فيه [خ¦2069]، وللنَّبيِّ صلعم آلاتٌ غير ما ذَكَر، ولكنَّ هذا الذي صحَّ عنده مع ما يأتي ذكره، أو أنَّه اكتفى بذكره مع ما يأتي عن غيره؛ إيضاحًا لأصل المسألة في الردِّ على الشيعة، والله أعلم.
          قوله: (بَابُ مَا ذُكِرَ فِي دِرْعِ النَّبِيِّ صلعم): تَقَدَّمَ عدد أدراعه، وأنَّها سبع: ذات الوِشَاح، وذات الفضول _وهي المرهونة_، وذات الحواشي، والسُّغديَّة _ويقال: السعديَّة، وهي التي لبسها داود لقتال جالوت_، وفضَّة، وخِرْنِق، والبتراء(1) [خ¦2068] [خ¦2739]، والظاهر أنَّ البُخاريَّ أراد بـ(درعه): الدرع المرهونة عند اليهوديِّ، وقد تَقَدَّمَ أنَّ غير واحد ذكر أنَّها ذات الفضول [خ¦2068]، والله أعلم.
          قوله: (وَعَصَاهُ): الظاهر أنَّ المراد بـ(العصا): القضيبُ، وقد ذكره بعض الحُفَّاظ وقال: (هو الذي يتداوله الخلفاء)، انتهى، والقضيب معروفٌ، وكان من شَوْحَط، وقد ذُكِر أنَّ الجهجاه بن مسعود _وسمَّاه ابنُ عَبْدِ البَرِّ الجَهْجَاهَ بنَ سعد بن حرام، وقيل: الجَهْجَا؛ دون هاء وصُوِّبَ_ جاء وعثمان بن عفان يخطب وبيده عصا النَّبيِّ صلعم، فأخذها وكسرها على ركبته اليمنى، فدخلت فيها شظيَّة منها، فبغى(2) الجرحُ، وأصابته الأَكَلَة، وشُدَّتِ العصا، فكانت مضبَّبة، ذكر ذلك ابن مسلمة التُّجِيبيُّ في «تاريخه»، وقد قال ابن دحية _فيما رأيته عنه_ عن ابن العربيِّ في كتاب «العواصم»: (لا يصحُّ كسر العصا، عمَّن أطاع ولا مَن عصى)، انتهى، وقد تُوُفِّيَ الجهجاه _وهو صحابيٌّ مشهورٌ_ بعد عثمان بسنة.
          وقد كان له ╕ أيضًا محجنٌ قَدْرَ ذِرَاعٍ أو أكثر، يمشي ويركب به، ويعلِّقه بين يديه على بعيره، وكانت له مِخْصَرةٌ تُسمَّى العُرجون، والله أعلم، هذا ما أستحضره من هذا الصنف.
          قوله: (وَسَيْفِهِ): قد ذكرت له صلعم تسعة أسياف فيما مضى؛ فانظرها [خ¦2739]، وأراد السيف الآتي ذكره [خ¦3110]، وقد وصل إلى عليِّ بن الحسين زين العابدين بعد أبيه الحسين.
          قوله: (وَقَدَحِهِ): كان له ╕ قَدَحٌ يُسمَّى الريَّان، ويسُمَّى مغيثًا، وآخر مضبَّب، يُقَدَّر أكثر من نصف المدِّ، فيه ثلاث ضبَّاتٍ من فضَّة، وحلقةٌ كأنَّه للسفر، وثالثٌ من زجاجٍ، وآخر من عَيْدان، يوضع تحت سريره، يبول فيه من الليل، [وسيأتي في (كتاب الأشربة) فائدةٌ في قدح النَّبيِّ صلعم](3) [خ¦74/30-8389].
          قوله: (وَخَاتَمِهِ): اعلم أنِّي قد قَدَّمْتُ أنَّ الروايات في صفة الخاتم اختلفت؛ فيحتمل أن يكون له خواتم متعدِّدةٌ، وقد كان له خاتمٌ من فضَّةٍ، وخاتم من ذهب قبل النهي، لبسه ثُمَّ طَرَحَه، وخاتمٌ من حديدٍ ملويٌّ عليه فضَّة، نقشه: مُحَمَّدٌ رسول الله، وغير ذلك، وقد تَقَدَّمَ [خ¦2938]، ولولا خوف الإطالة؛ لذكرت ما وقع لي من سلاحه وأثاثه.
          فائدة: في مصر في آخرها على البحر النيل مكانٌ عظيمٌ يقال له: الآثار الشريفة، وهو بناء عظيمٌ، وهو مُطِلٌّ على النِّيل، وفيه مُستَراحٌ، وماؤه من النِّيل، وعُمِل فيه درسٌ للشافعية، وفي المكان خزانةٌ فيها عُلبة من جَوزٍ فيها قطعٌ من آثاره صلعم، قد زرتها غَيْرَ مَرَّةٍ، وفي العُلبة قطعةٌ من عَنَزَته صلعم، وقطعةٌ من قَصْعته، ومِنقاشٌ صغيرٌ من حديد، ومِيل من نُحاس اكتحلت به غَيْرَ مَرَّةٍ، ومِخصفٌ صغير، ولمَّا زرته في المرَّة الأولى؛ اجتمع بي(4) الإمام الأديبُ جلال(5) الدين مُحَمَّد بن خطيب داريَّا الدِّمَشْقيُّ، وقال لي: هل رأيت ما كتبتُه في حائط الآثار؟ فقلت: لا، فأنشدني لنفسه: [من الكامل]
يَا عَيْنُ إِنْ بَعُدَ الحَبِيبُ وَدَارُهُ                     وَنَأَتْ مَرَابِعُهُ وَشَطَّ مَزَارُهُ
فَلَكِ الهَنَاءُ لَقَدْ ظَفِرْتِ بِطَائِلٍ                     إِنْ لَمْ تَرَيْهِ فَهَذِهِ آثَارُهُ
          قوله: (وَنَعْلِهِ): سيأتي أنَّه كان له نعلان جَرْدَاوان لهما قِبَالان [خ¦3107].
          فائدة هي تنبيه: كان بدمشق في الأشرفيَّة دار الحديث بقربِ القلعة فردةٌ من نَعْله، وفي الجاروجيَّة فردةٌ أخرى يُتبَرَّك بهما، صلعم، وفي وقعة تَمُر فُقِدتا.
          قوله: (مِمَّا يَتَبَرَّكُ أَصْحَابُهُ): قال الدِّمْيَاطيُّ: (حذف «به»؛ كما حُذِفَت في قوله: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ}[الحجر:94]) انتهى، قال شيخنا: (وقد ذكره ابن بطَّالٍ في الترجمة)، انتهى.
          وقوله: (مِمَّا يَتَبرَّك أصحابُه): كذا للقابسيِّ وعُبْدُوس، وللأصيليِّ: (ممَّا شَرِك أصحابُه)؛ من الشَّركة، قال ابن قرقول: (وهو ظاهِرٌ؛ لقوله قبلُ: «ممَّا لم يُذكَر قِسمَتُه»، والأوَّل أظهر، ورواه النَّسَفيُّ: «ممَّا شركَ فيه»)، انتهى.


[1] في (ب): (وفضة، والبتراء، وخرنق).
[2] يعني: ورم وترامى إلى الفساد، وفي (ب): (فبقي).
[3] ما بين معقوفين سقط من (ب).
[4] (بي): سقط من (ب).
[5] في (أ): (جلا)، وهو تحريفٌ.