التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب من قاتل للمغنم هل ينقص من أجره؟

          قوله: (بَابُ مَنْ قَاتَلَ لِلْمَغْنَمِ، هَلْ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ): ذكر ابن المُنَيِّر ما في الباب على عادته، ثُمَّ قال: (مقتضى الحديث: أنَّ من قاتل للمغنم؛ فليس في سبيل الله، وهذا لا أجر له ألبتَّة، فكيف تطابق ترجمته عليه بنقص الأجر؟!) انتهى، وهذا قويٌّ.
          وقد يُجاب عن البُخاريِّ بأن يُقال: كلامُه محمولٌ على ما إذا قاتل لإعلاء كلمة الله بنيَّة حصول الغنيمة، فإنَّ هذا يحصل له أجرٌ، وليس كأجر من لم يشرك في عمله شيئًا، ويصدق على هذا أنَّه قاتل للمغنم، وأنَّه قاتل لإعلاء كلمة الله، وقد يرشد لهذا الحديث الذي بعده، فإنَّ السائل سأله ╕ أنَّ الرجل يقاتل للمغنم، وليُذكَر وليُرى مكانه؛ يعني: تارةً يقصد(1) هذا، وتارةً هذا، وتارةً هذا، فمن في(2) سبيل الله(3) ؟ فقال ╕: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا؛ فهو في سبيل الله»، والله أعلم أنَّه متى كانت نيَّته(4) إعلاء كلمة الله؛ لا يضرُّه شيءٌ من ذلك أن يكون في سبيل الله، وإذا كان كذلك؛ فيحصل له أجرٌ، ولا يضرُّه ما يعرض له بعد ذلك.
          وقد جاء حديثٌ فيه دليل لما قاله ابن المُنَيِّر: أنَّ رجلًا سأل، فقال: يا رسول الله؛ الرجلُ يريد الجهادَ في سبيل الله، وهو يبتغي من عرض الدنيا، فقال: «لا أجر له»، فأعظم ذلك الناسُ، فقالوا للرجل: أعِدْ لرسول الله صلعم فلعلَّك لم تُفهِمه، فقال الرجل: يا رسول الله؛ رجل يريد الجهاد في سبيل الله، وهو يبتغي من عرض الدنيا، فقال: «لا أجر له»، فأعظم الناس ذلك، فقالوا: أعِدْ لرسول الله صلعم فأعاد، فقال: «لا أجر له».
          والجوابُ عنه: أنَّ قوله: (وهو يبتغي) حال، والحال قيدٌ، فهذا لا أجر له.
          وجوابٌ آخر: وهو أنَّه و[إن] لم يكن قيدًا؛ فيؤوَّل قوله: «لا أجر له» على نقص الأجر، ويريد نفي الكمال، والله أعلم.
          والكلام [فيما] إذا أشرك في العمل مع الله غيرَه معروفٌ(5)، وتحت هذا ثلاثة أنواعٍ:
          أحدُها: أن يكون الباعث الأوَّل على العمل هو الإخلاص، ثُمَّ يعرض له الرياء وإرادة غير الله في أثنائه، فهذا المعوَّل فيه على الباعث الأوَّل ما لم ينسخه بإرادةٍ جازمةٍ لغيرِ الله، فيكون حكمه حكمَ قطع النيَّة في أثناء العبادة، ونسخها؛ أعني: قطع استصحاب حكمها.
          الثاني: عكس هذا، وهو أن يكون الباعثُ الأوَّل لغير الله، ثُمَّ يعرض له قلبُ النيَّة لله، فهذا لا يُحتسَب له ما مضى من العمل، ويحتسب له من حين قلب نيَّته، ثُمَّ إن كانت العبادة لا يصحُّ آخرها إلَّا بصحَّة أوَّلها؛ وجبت الإعادة؛ كالصلاة، وإلَّا؛ لم تجب؛ كمن أحرم لغير الله، ثُمَّ قلب نيَّته لله عند الوقوف والطواف.
          الثالث: أن يبتدئها فيريد بها اللهَ والناسَ، فهذا لا يُقبَل منه العملُ، فإن كانت النيَّة شرطًا في سقوط الفرض؛ وجبت عليه الإعادة، وقد دلَّت السُّنَّة الصريحة على ذلك، وهي قوله: «من عمل عملًا...» إلى آخره، والله أعلم.


[1] في (ب): (بقصد).
[2] (في): سقط من (ب).
[3] لفظ الجلالة: سقط من (ب).
[4] في (ب): (بنية).
[5] (معروف): سقط من (ب).