غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام

سليمان بن يسار

          519 # سُلَيْمَانُ بنُ يَسَار، ضدُّ اليمين، مولى ميمونة أمِّ المؤمنين.
          فقيه المدينة، أحد الفقهاء السَّبعة، الحجَّة، العابد، الثِّقة، الفاضل، أحد أكابر التَّابعين، وقيل: هو مولى أمِّ سلمة، أبو أيُّوب، وأبو عبد الله، وأخو عطاء، وعبد الله، وعبد الملك، الهلاليُّ المدنيُّ.
          سمع: ابن عبَّاس، وعائشة، وأبا هريرة، وعِرَاكَ بن مالك، وعبد الرَّحمن بن جابر.
          روى عنه: الزُّهريُّ، وعبد الله بن دينار، وبُكَيْرُ بنُ الأَشَجِّ، وعَمْرُو بن ميمون.
          نقل عنه البخاريُّ بالواسطة في مواضع، أوَّلها: في باب غَسْلِ المَنِيِّ وفَرْكِه، من كتاب الوضوء [خ¦229] .
          قال الحسن بن محمَّد بن [عليِّ بن أبي طالب](1) : سليمانُ بنُ يَسَار أفهمُ عندنا من سعيد بن المسيَّب، ولم نقل أعلم ولا أفقه. وكان المستفتي إذا أتى سعيد بن المسيَّب يقول له: اذهب إلى سليمان / بن يسار؛ فإنَّه أعلم من بقي اليوم. وقال قتادة: قدمت المدينة، فسألت مَنْ أعلم أهلها بالطَّلاق؟ فقالوا: سليمان بن يسار.
          توفِّي وهو ابن ثلاث وسبعين سنة، سَنَةَ سبعٍ ومئة، أو سنة أربع وتسعين.
          مهَّمة:
          قد تشتبه هذه المادَّة، يعني يسار _بتقديم التَّحتيَّة، ثمَّ المهملة المخفَّفة، آخرها راء_ بِبِشَّار _بفتح الموحَّدة، وشدَّة المعجمة_ والد بُنْدَار [محمَّد] ، وليس في الصَّحيحين سوى هذه، والد بندار شيخ الشَّيخين. قال الذَّهبيُّ(2) : بشَّار _بالمعجمة_ نادر في التَّابعين، معدوم في الصَّحابة، وأمَّا بالمهملة المخفَّفة، فَجَمٌّ غفير، كوالد سليمان، ووالد سعيد وغيرهما.
          قال الغزاليُّ في الإحياء(3) : [إنَّ] سليمان بن يسار كان من أجملِّ النَّاس، فخرج حاجًا ومعه رفيق، فنزل بالأبواء، فأخذ رفيقه السُّفرة ليبتاع شيئاً، وسليمان في الخيمة، فرأته أعرابيَّة من الجبل، فنزلت إليه، ورفعت برقعها، فأسفرت عن وجه كأنَّه فلقة(4) قمر، فقالت: أعطني. فظنَّ أنها تريد طعاماً، فقام إلى فضل السُّفرة، فقالت: إنَّما أريد ما يكون من الرَّجل إلى أهله. فقال: جَهَّزَكِ إليَّ إبليس(5) . ثمَّ أخذ في النَّحيب، وبكى، فلمَّا رأت ذلك سدلت البرقع على وجهها ورجعت، فلَّما رجع رفيقه، ورأى عليه أثر البكاء، سأله عن ذلك، فقال: ذكرت صبيتي(6) . قال: كلا، لك غيبة ثلاثة أيَّام. فلم يزل به حتِّى أخبره، فبكى رفيقه، فقال له سليمان: وما يبكيك؟ قال: أنا أحقُّ بالبكاء منك، إنِّي أخشى لو كنت مكانك لما صبرت عنها. فلم يزالا يبكيان، فلمَّا انتهى سليمان إلى مكَّة، وطاف وسعى، أتى الحِجْر، واحتبى بثوبه ونعس، فإذا رجل وسيم طويل، له شأن حسنة، ورائحة طيِّبة، فقال سليمان: من أنت، يرحمك الله؟ قال: أنا يوسف. قال: يوسف الصِّدِّيق؟ قال: نعم. قال: إن شأنك وشأن امرأة العزيز لشأن عظيم. فقال يوسف: شأنك وشأن صاحبة الأبواء أعظم.
          وقال الغزاليُّ(7) : دخلت امرأة على سليمان بن يسار، فسألته نفسه فامتنع، وخرج هارباً من منزله، وتركها فيه. قال سليمان: فرأيت في المنام يوسف، وكأنِّي أقول له: أنت يوسف؟ قال: نعم، أنا يوسف الذي هممتُ، وأنت سليمان الذي لم تهمَّ. أشار إلى قوله ╡ { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا } [يوسف:24] .


[1] في غير (ن): الحسن بن محمد بن سليمان بن يسار، والمستدرك بين حاصرتين من طبقات ابن سعد:2/384.
[2] قول الذهبي في شرح التبصرة والتذكر للحافظ العراقي:1/248.
[3] 4/169.
[4] رسمت في (ن): (فلقت) بالتاء المبسوطة.
[5] في غير (ن): (الشيطان).
[6] في (ن): (ميِّتي).
[7] 4/168.