غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام

سالم بن عبد الله

          421 # سالم بن عبد الله بن عُمر بن الخطَّاب، أبو عُمر، القرشيُّ، العَدَويُّ، المدنيُّ، التابعيُّ، ويقال: أبو عبد الله.
          ثبت، عابد، فاضل، يُشبَّه بأبيه في الفضل والهَدْي والسَّمْت.
          قال ابن المسيَّب: سالم أشبه ولد عبد الله بعبد الله، وعبد الله أشبه ولد عمر بعمر.
          أحد الفقهاء السَّبعة بالمدينة، على أحد الأقوال، وقد مرَّ ذكرهم في خارجةَ بنِ زَيْد بنِ ثابت، فإنَّه أحدهم، فراجع ترجمته.
          قال محمَّد بن سعد(1) : كان سالم ثقة، كثير الحديث، عالماً(2) ، من الرِّجال، ورعاً.
          قال مالك: لم يكن في زمن سالم أشبه بمن مضى من الصَّالحين في الزُّهد منه، كان يلبس الثَّوب بدرهمين، وكان أبوه يُلام في إفراط حبِّه (له)، وكان يقبِّله، ويقول: ألا تعجبون من شيخ يقبِّل شيخاً؟ وإذا قيل له في ذلك، جعل يُنشد _من البحر الطَّويل_:
يلومونَنِي في سالمٍ وأَلُومُهُمْ                     وجِلْدَةُ بينَ العينِ والأنفِ سالمُ
          قلت: ☺ ما أحسنَ هذا البيت، فإنَّ الجلدة التي بين العين والأنف عند أهل اللُّغة تُسمَّى سالماً، فإذا كان سالم سالماً كان عيناً؛ لأنَّ حكم الشَّيء يُعْطَى لقرينه، وكلُّ أحد يحبُّ عينه، فتأمَّل(3) .
          وأمُّ سالم من بنات الملوك من آل كسرى، وهي أخت أمِّ زين العابدين، كما سيأتي / بيان ذلك في ترجمته، إن شاء الله تعالى، وقال له سليمان بن عبد الملك _ ورآه حسن السُّحْنة(4)_: أيُّ شيء تأكل؟ قال: الخبز والزَّيت، وإذا وجدتُ اللَّحمَ أكلتُه. قال: أَوَتشتهيه؟ قال: إذا لم أشتهه تركته حتَّى أشتهيه.
          قال سفيان بن عُيينة: دخل هشام بن عبد الملك الكعبة، فإذا هو بسالم بن عبد الله، فقال له: يا سالم! سلني حاجة. فقال: إنِّي لأستحي من الله أن أسأل في بيت الله غير الله. فلمَّا خرج، خرج هشام في أثره، فقال له: الآن قد خرجت، فسلني حاجة. قال [سالم] : من حوائج الدُّنيا أم من حوائج الآخرة؟ فقال: من حوائج الدُّنيا. قال سالم: فإنِّي ما سألتها من يملكها، فكيف أسأل من لا يملكها؟ يعني: إنِّي ما سألت الله تعالى قطُّ حاجةً من حوائج الدُّنيا، فكيف أسألك؟
          سمع سالم أباه، وأبا هريرة. وروى عنه: الزُّهريُّ، ونافع، وموسى بن عُقبة، وحَنْظَلةُ بن أبي سفيان، وأبو بكر بن حفص.
          نقل عنه البخاريُّ بالواسطة في مواضع، أوَّلها: في باب الحياء من الإيمان، من كتاب الإيمان [خ¦24] .
          توفِّي سنة خمس، أو ستٍّ، أو ثمان ومئة، في ذي القعدة، أو في ذي الحجَّة، وهشام بن عبد الملك يومئذ بالمدينة، وكان حَجَّ بالنَّاس [تلك السَّنة، ثمَّ قدم المدينة، فوافق موت سالم، فصلَّى عليه بالبقيع؛ لكثرة النَّاس] ، فلمَّا رأى هشام كثرتهم، قال لإبراهيم بن هشام: اضرب على النَّاس (بَعْثَ) أربعةِ آلاف، فسُمِّي عام أربعة آلاف.


[1] في الطبقات الكبرى:5/196، والشعر فيه.
[2] في (ن) تصحيفاً: (عالياً).
[3] رد الزبيدي هذا الكلام، واعتبره وهماً من الجوهري في استدلاله ببيت عبد الله بن عمر، قال: وإنما قصد عبد الله قربه منه ومحلَّه عنده، تاج العروس (حوز)، وانظر الصحاح للجوهري (سلم) فقد قال: ويقال للجلدة التي بين العين والأنف سالم، والبيت عنده، ورواية صدره مختلفة.
[4] في (ن) تصحيفاً: (السجية).