غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام

سالم مولى أبي حذيفة

          420 # سالم مولى أبي حذيفة(1) ، / هو سالم بن عبيد بن ربيعة، وقيل: سالم بن مَعْقِل. قلت: هذا هو الأصحُّ؛ لأنَّ ابن الأثير قال(2) : قال ابن منده: سالم بن عُبيد. وهو وهم فاحش. انتهى كلامه، ومَعْقِل، بفتح الميم، وسكون المهملة، وكسر القاف، كذا ضبطه الكِرمانيُّ، الصَّحابيُّ أبو عبد الله.
          كان من أهل فارس من إِصْطَخْر، [وهو] من فضلاء الصَّحابة وكبارهم، معدود في المهاجرين؛ لأنَّه لمَّا أعتقته مولاته ثُبَيْتَةُ الأنصاريَّة زوج أبي حُذيفة، فتولَّاه أبو حُذيفة وتبَّناه، وهو معدود في بني عُبيد من الأنصار؛ لعتق مولاته المذكورة، وفي قريش؛ لما ذكرنا، وفي العجم؛ لما بيَّنَّا، ومعدود في القرَّاء؛ لقول رسول الله صلعم: «خذوا القرآن من أربعة». فذكره منهم(3) ، وكان قد هاجر إلى المدينة قبل النَّبيِّ صلعم، وكان يؤمُّ المهاجرين (بالمدينة)، فيهم عمر بن الخطَّاب وغيره؛ لأنَّه كان أكثرهم أخذاً للقرآن.
          عن عائشة قالت: احتبست على رسول الله صلعم فقال: «ما حبسك»؟ قالت: سمعت قارئاً يقرأ، فذكرت من حسن قراءته، فأخذ رداءه وخرج، فإذا هو سالم مولى أبي حذيفة، فقال: «الحمد للَّه الذي جعل في أمتي مثلك».(4) وكان عمر يُكثر الثَّناء عليه، (حتَّى) قال _لمَّا أوصى عند قتله_: لو كان سالم حيًّا أدخلته في الشُّورى. قال أبو عمر(5) : معناه أنَّه كان يَصْدُر عن رأيه فيمن يولِّيه الخلافة. قلت: إنَّما قال أبو عُمر ذلك؛ لأنَّه لا يجوز أن يكون سالم خليفة على المسلمين؛ لأنَّه من الموالي، والأئمَّة من قريش، كما قال صلعم(6) ، واحتجَّ أبو بكر في خلافته على الأنصار، وأمضَوه من غير نكير، فتأمَّل.
          قال ابن الأثير(7) : آخى بينه وبين معاذ بن ماعِص، وكان أبو حُذيفة يرى أنَّه ابنُه، فأنكحه ابنة أخيه فاطمة بنت الوليد بن عتبة، وهي من المهاجرات، من أفضل أَيَامَى قريش، فلمَّا أنزل الله تعالى في زيد بن حارثة { ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ } [الأحزاب:5] ردَّ كلُّ أحد تبنَّى ابناً من أولئك إلى أبيه، فإن لم يُعلم أبوه رُدَّ إلى مواليه، فجاءت سَهْلَةُ بنتُ سُهيل بن عَمْرو العامريَّة إلى رسول الله صلعم فقالت: يا رسول الله! إنَّ سالماً بلغ ما يبلغ الرِّجال، وعقل ما عقلوا، وإنَّه يدخل علينا، وإنِّي أظنُّ في نفس أبي حذيفة من ذلك شيئاً. فقال رسول الله صلعم: «أَرضعيه تَحْرُمي عليه، ويذهب ما في نفس أبي حُذيفة». فرجعت إليه، فقالت: إني قد أرضعته، فذهب الذي في نفس أبي حذيفة. فأخدت(8) بذلك عائشة، فقالت: يحرم بالرَّضاع ولو كان الرَّضيع كبيراً، وأَبَتْ سائرُ أزواج النَّبيِّ صلعم.
          قلت: لم يذهب إلى مذهب عائشة أحد، فصار إجماعاً، والأصحُّ عند الأصوليِّين أنَّ أهل العصر إن انقرضوا، وكانوا مختلفين في مسألة، ثمَّ أجمع من بعدهم / على أحد القولين صار إجماعاً، كما لو اتَّفقوا بأنفسهم، وهذا من أحسن الأجوبة، وإن كان الدَّمِيريُّ أجاب بأنَّه مخصوص بسالم، كما قالته أمُّ سلمة، وسائر زوجات النَّبيِّ صلعم وهنَّ بالخاصِّ والعامِّ، والنَّاسخ والمنسوخ أعلم.
          وروى هذا الجواب ابنُ الملقِّن في «العُمْدة» عن إمامنا الشَّافعيِّ، ☺، فتأمَّل.
          قال ابن(9) الأثير: قيل لسالم يوم اليمامة لمَّا طلب اللِّواء: نخشى أن نؤتَى من قبلك. يعني نخاف أن لا تقوم بحق اللِّواء، فتفرَّ أو ترميه(10) ، فقال: بئس حامل القرآن أنا إذاً. فحفر له في الأرض إلى أنصاف ساقيه، ولم يزل(11) يضرب باللِّواء في نحر العدوِّ، فقطعت يمينه، فأخذ اللِّواء بيساره، فقطعت يساره، فاعتنق اللِّواء، وهو يقول: { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ } [آل عمران:144] { وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ } [آل عمران:146] فلمَّا صُرع(12) ، قال لأصحابه: ما فعل أبو حذيفة؟ قالوا: قتل. قال: فما فعل فلان؟ سمَّاه، قالوا: قتل. قال: فأضجعوني بينهما. ولمَّا أرسل عمر بميراثه إلى مُعْتِقته ثبُيتة(13) لم تقبله، وقالت: إنَّما أعتقته (سائبة) لوجه الله. فجعل ميراثه في بيت المال.
          روى عنه: ثابت بن قيس بن شَمَّاس، (وعبد الله بن عُمَر،) وعبد الله بن عَمْرو بن العاص.
          استشهد يوم اليمامة في عسكر خالد بن الوليد زمن أبي بكر الصِّديق، رضي الله عنهم أجمعين.


[1] قال الذهبي في السير:1/165: واسمه مهشم فيما قيل، وكذا ابن هشام في السيرة، ورد السهيلي في الروض الأنف على ابن هشام، وقال: وهو وهم عند أهل النسب، وعند ابن الأثير في أسد الغابة:5/378 هشام بن عتبة، وقيل: اسمه هشيم، وهو الأشهر، وقيل: مهشم.
[2] أسد الغابة:2/384، وجاء في الأصول: (سالم بن عبيد ربيعة) وكذا (بثينة) في موضعين، و(تولى أو حذيفة وتبناه) والتصحيح من التصحيف والتحريف من أسد الغابة.
[3] البخاري (4999).
[4] مسند أحمد (25320) وابن ماجه (1338).
[5] الاستيعاب:2/568.
[6] المسند (12307).
[7] أسد الغابة:2/383، وحديث سهلة بنت سهيل أخرجه مسلم عن عائشة برقم (1453)، وقال الذهبي في السير:1/169: وآخى النبي صلعم بين سالم مولى أبي حذيفة وبين أبي عبيدة بن الجراح.
[8] في (ن) تصحيفاً: (فأحدث).
[9] أسد الغابة:2/384.
[10] في غير (ن): (وتفر).
[11] في غير (ن): (ولم يبرح).
[12] في (ن) تصحيفاً: (جزع).
[13] في الأصول تصحيفاً: (بثينة) وسبق الإشارة غلى مثله.