غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام

سفيان بن عيينة

          484 # سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ _بضمِّ المهملة، وفتح التَّحتيَّة المثنَّاة الأولى، وسكون الثَّانية، وفتح النُّون_ ابن أبي عِمْران، ميمون، الهِلاَليُّ، الكوفيُّ.
          سكن مكَّة، ومات بها، أبو محمَّد مولى الهلاليِّين.
          سمع: الزُّهريَّ، ويحيى بن سعيد، وعمرو بن دينار، وهشام بن عروة، والأعمش، وأبا الزِّناد، (وبيان بن بشر، وإسرائيل،) وسليمان بن فيروز، وأبا إسحاق الشَّيبانيَّ(1) .
          روى عنه: أبو نُعيم الفضل بن دُكين، وصدقة بن الفضل، وأبو الوليد الطَّيالسيُّ(2) ، وعبيد الله بن موسى، وعليُّ بن المَدينيِّ، والحميديُّ، ومحمَّد بن يوسف، وقتيبة [بن سعيد] .
          نقل عنه / البخاريُّ بالواسطة، في أوَّل الصَّحيح [خ¦1] ، وغير ذلك كثيراً، ولد للنِّصف من شعبان، واشتغل(3) على الزُّهريِّ، وهو ابن ستَّ عشرة(4) سنة.
          قال البخاريُّ: سفيان بن عيينة أحفظ من حمَّاد بن زيد. قال الكرمانيُّ(5) : قال سفيان: قرأت(6) القرآن وأنا ابن أربع سنين، وكتبت الحديث وأنا ابن سبع سنين. روى عنه ابن أخيه الحسن بن عمران بن عيينة. قال: قال سفيان لي(7) بالمزدلفة: [قد] وافيت هذا الموضع سبعين مرَّة، أقول كلَّ مرَّة: اللهم لا تجعله آخر العهد من هذا المكان، وقد استحييت من الله تعالى من كثرة ما أسأله، فتوفِّي في السَّنة الدَّاخلة، يوم السَّبت غرَّة رجب، سنة ثمان وتسعين ومئة.
          ومن لطائف ما وقع أنَّ سفيان الثَّوريَّ شيخه، وقد نقل الثَّوريُّ، عن يحيى القطَّان، عن سفيان بن عيينة، فصار تلميذ تلميذه، وهو أيضاً من رواية الأكابر عن الأصاغر.
          قال ابن خلِّكان(8) : مولى امرأة من بني هلال بن عامر، رهط ميمونة زوج النَّبيِّ صلعم. كان إماماً، عالماً، ثبتاً، حجَّة، زاهداً، ورعاً، مجمعاً على صحَّة حديثه وروايته، حجَّ سبعين حجَّة، وروى عنه الشَّافعيُّ، وشعبة، ومحمَّد بن إسحاق، وابن جريج، والزُّبير بن بكَّار، وعمُّه مصعب، وعبد الرَّزاق، ويحيى بن أكثم القاضي، قال: ورأيت في بعض المجاميع أنَّ سفيان خرج يوماً إلى من جاءه يسمع منه وهو ضجر(9) ، فقال: أليس من الشَّقاء أن يكون جالستُ يحيى بن سعيد؟ وهو جالَسَ أبا سعيد الخدريَّ، وجالستُ عُبيد بن دينار؟ وهو جالس ابن عمر، وجالستُ الزهريَّ؟ وهو جالَسَ أنساً. حتَّى عدَّ جماعة، ثمَّ أنا أجالسكم! فقال له حَدَثٌ(10) في المجلس: أتنصف يا أبا محمَّد؟ قال: إن شاء الله، قال: والله لشقاء أصحاب (أصحاب) رسول الله بك أشدُّ من شقائك بنا، فأطرق ساعة وأنشد _من قول أبي نواس(11) من البحر الرمل_:
خلِّ جَنْبَيْكَ لرام                     وامضِ عنه بسلامِ
مُتْ بِدَاءِ الصمتِ خيْـ                     ـرٌ لَكَ من داءِ الكلامِ
          فتفرَّق النَّاس، وهم يتحدَّثون بكلام الشَّابِّ، والشَّابُّ كان يحيى بن أكثم التَّميميَّ، قال سفيان: هذا الغلام يصلح لصحبة السَّلاطين. [فكان كذلك]
          قال سفيان: دخلت الكوفة، ولم يتمَّ لي عشرون سنة، فقال أبو حنيفة لأصحابه، ولأهل الكوفة: جاءكم حافظُ (علمِ) عمرو [بن دينار] . قال: فجاء النَّاس يسألوني عن عمرو بن دينار، فأوَّل من صيَّرني محدِّثاً أبو حنيفة، فذاكرته، فقال [لي] : يا بنيَّ، ما سمعتُ من عمرو بن دينار إلَّا ثلاثة أحاديث، أضطربُ في حفظ تلك الأحاديث.
          ودفن / سفيان بالحَجُون _بفتح المهملة، ثمَّ الجيم المضمومة، آخره نون_ جبل بأعلى مكَّة، عند مدافن أهلها.
          قلت: هنيئاً (له)، فقد ورد في الحديث: «أنَّ الحَجُون وبقيع الغَرْقَد ينثران في الجنَّة نثراً»(12) . يعني مقبرة مكَّة والمدينة، وقال صلعم: «من مات بأَحَد الحرمين بعث يوم القيامة آمناً»(13) . وقد دخل سفيان في الحديثين.
          قال أبو نعيم الأصفهانيُّ في الحلية(14) : سفيان بن عيينة هو الإمام المستنبط للمعاني، والمرتبط للمباني، كان عالماً ناقداً، زاهداً عابداً، علمه مشهور، وزهده مَعْمور. قال سفيان: إذا جمعت(15) هاتين كمل أمري: إذا صبرت على البلاء، ورضيت (بالقضاء. وقال: قال عمر بن الخطَّاب: ما أبالي على ما أصبحت،) على ما أحبُّ أو على ما أكره؛ لأنِّي لا أدري الخير فيما أحبُّ أو فيما أكره؟ وقال: كان رجل يقول: علمي بصلاح نفسي علمي بفسادها، وبحسب امرئ من الشَّرِّ أن يرى من نفسه فساداً لا يصلحها. وقال: قال رجل من العلماء: اثنتان أنا أعالجهما منذ ثلاثين سنة: ترك الطَّمع فيما بيني وبين النَّاس، وإخلاص العمل لله تعالى.
          وقال سفيان: من تزيَّن للنَّاس بعمل يعلم الله تعالى غير ذلك شانَه الله تعالى. وقال: إذا كان نهاري نهارَ سفيه، وليلي ليل جاهل، فما أصنع بالعلم الذي كتبت؟ وإنَّما أرباب العلم الذين هم أهله(16) الذين يعملون به.
          وقال: من زيد في عقله نقص من رزقه. وقال: من رأى في نفسه أنَّه خير من غيره فقد استكبر، وذلك أنَّ إبليس إنَّما منعه من السُّجود لآدم استكباره، ومن كانت معصيته في الشَّهوة فارجُ له التَّوبة، فإنَّ آدم عصى مشتهياً(17) ، فغفر له، (فتاب عليه،) وإن كانت معصيته في كِبْر، فاخشَ على صاحبه اللَّعنة؛ فإنَّ إبليس عصى مستكبراً فلُعن.
          وقال: لا إله إلا الله في الآخرة بمنزلة الماء في الدُّنيا، لا يحيا شيء في الدُّنيا إلَّا على الماء، قال الله تعالى: { وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ } [الأنبياء:30] فلا إله إلا الله بمنزلة الماء في الدُّنيا، فمن لم يكن معه لا إله إلا الله، فهو ميِّت، ومن كان معه فهو حيٌّ، وما أنعم الله تعالى على العباد نعمة(18) أفضل من أن عرَّفهم لا إله إلا الله.
          وقال: قال عثمان: لو أنَّ قلوبنا طهرت ما شبعت من كلام الله.
          وقال: قال عثمان: ما أحبُّ أن يأتي يوم و [لا] ليلة إلَّا أنظر في كلام الله. يعني القراءة.
          وقال: الزُّهد في الدُّنيا الصَّبر وارتقاب الموت. قال حرملة بن يحيى: أخذ سفيان بيدي، / فأقامني في ناحية، فأخرج من كمه رغيف شعير، وقال: دع يا حرملة ما يقول النَّاس، هذا طعامي منذ ستِّين سنة.
          قال أبو يوسف الغَسُوليُّ: دخلت على سفيان، وبين يديه قرصان من شعير، فقال: يا أبا يوسف، إنَّهما طعامي منذ أربعين سنة. وقيل لسفيان: يا أبا محمَّد، أيُّ شيء الزُّهد؟ قال: من إذا أنعم عليه نعمة فشكر، و [إذا] ابتلي(19) (ببلية) فصبر، فذلك الزُّهد. فقلت له: يا أبا محمَّد، إذا أنعم عليه فشكر، وإذا ابتلي فصبر، فهو ممسك للنِّعمة، كيف يكون زاهداً؟ قال: اسكت، فمن لم يمنعه البلوى من الصَّبر، والنِّعمة من الشُّكر فذلك الزَّاهد؟!
          وقال: ليس من حبِّ الدُّنيا طلبك منها ما لا بد منه. وقال: كأنَّك بالدُّنيا ولم تكن، وبالآخرة ولم تزل، وكأنَّك بآخر من يموت، فهو مات.
          قال: وكان يقال: إنَّ للدُّنيا أجلاً كأجل ابن آدم، إذا جاء أجلها ماتت.
          قال: وكان عيسى بن مريم لا يَخْبأ غداء لعشاء، ولا عشاء لغداء، ويقول: مع كلِّ يوم وليلة رزقها، ليس له بيت يخرب. وقيل له: ألا تتزوَّج؟ قال: أتزوَّج امرأة تموت! وقيل: ألا تبني بيتاً؟ فقال: أبني على طريق السَّيل! وقال: قال عيسى ◙ (20) : إنَّ للحكمة أهلاً، فإن وضعتها في غير أهلها ضيَّعت، وإن منعت من أهلها ضيَّعت، كن كالطَّبيب يضع الدَّواء حيث ينبغي. [قال:] وكان عيسى ويحيى يأتيان القرية، فيسأل عيسى عن شرار أهلها، فينزل عنده، ويسأل يحيى عن خيار أهلها، فينزل عنده، فقال له يحيى: لم تنزل عند شرارها؟ قال: إنَّما(21) أنا طبيب أداوي المرضى.
          وقال: قال عيسى: إنَّما أعلِّمكم لتعلموا، ليس لتعجبوا، يا ملح الأرض، لا تفسدوا، فإنَّ الشَّيء إذا فسد إنَّما يصلح بالملح، وإذا الملح فسد(22) لم يصلح بشيء، ولا تأخذوا الأجر ممَّن تعلِّمون إلَّا مثل الذي أخذت منكم.
          وقال: قال عيسى: كونوا أوعية الكتاب، وينابيع العلم، وسلوا الله رزق يوم بيوم، ولا يضرَّكم أن لا يكثر لكم.
          وقال سفيان: ليس العالم الذي يعرف الخير والشَّرَّ، إنَّما العالم الذي يعلم الخير فيبتغيه، ويعرف الشَّرَّ فيجتنبه.
          وقال: أوَّل(23) العلم الاستماع، ثمَّ الإنصات، ثمَّ الحفظ، ثم العمل، ثمَّ النَّشر. وقال: كنت أخرج إلى المسجد فأتصفَّح الخلق، فإذا رأيت كهولاً ومشيخة جلست إليهم، وأنا اليوم قد اكتنفني هؤلاء الصِّبيان، ثمَّ أنشد _من البحر الكامل(24)_:
خَلَتِ الدِّيارُ فَسُدْت غيرَ مُسَوَّد                     ومن الشَّقاءِ تفرُّدي بالسُّؤْددِ
          وقال: / إذا ترك العالم لا أدري أصيبت مقاتله. وكان إذا سئل عن شيء يقول: لا أُحسن، فنقول: من نسأل؟ فيقول: سلوا العلماء، وسلوا(25) الله التوفيق.
          وقال الشَّافعيُّ: ما رأيت أحداً فيه آلة الفتيا أجمع من سفيان، وما رأيت أحداً أكفَّ عن الفتيا من سفيان.
          وقال عبد الرَّحمن بن سلام: رأيت سفيان، وأتى ماء زمزم، فشرب وسقى الذي عن يمينه، وقال: ماء زمزم بمنزلة الطِّيب لا يردُّ. وقال: لا تدخل هذه المحابرُ بيتَ رجل إلا أشقى أهله وأولاده.
          وقال: الغِيْبة أشدُّ من الدَّين، الدَّين يقضى، والغيبة لا تقضى. وقال: خلق النَّار رحمة، يخوِّف [الله] بها عباده لينتهوا. وقال في قوله تعالى: { وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ } [ق:35] قال: لا تكاد أبصارهم تسمو إلى شيء غير ما هم فيه حتَّى يفتح لهم شيء، يقال له: المزيد، فإذا فتح ذلك، جاء شيء ليس بالذي كانوا فيه، فيشرف عليهم المزيد، فينادونه، فيقولون: من أنت؟ فيقول: أنا من الذي قال الله تعالى: { وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ } [ق:35] .
          وقال: رأيت أعرابيًّا يطوف بالبيت فتبعته، فقلت: لعلَّه لا يحسن فأعلِّمه ما يقول. فجاء فتعلَّق بأستار الكعبة، فقال: اللهم إليك خرجت، وأنت أخرجتني، وإليك جئت، وأنت جئت بي، وبفنائك أنخت، وأنت حملتني، اللهم وقد عَجَّتْ إليك الأصوات بصنوف اللُّغات، يسألونك عن الحاجات، وحاجتي إليك أن تذكرني على طول البِلى(26) إذا نسيني أهل الدُّنيا.
          أتى خراسانيٌّ سفيان بن عيينة في مجلسه، فرمى إليه بدرهمين، فقال: حدِّثني بهما. فهمَّ أصحاب الحديث به، فقال: دعوه. ثمَّ نكص وبكى، ثمَّ انشد _من البحر البسيط_:
اعمَلْ بقَولي وإن قَصَّرتُ في عملي                     ينفعْك قولي ولا يَضْرُرْك تَقْصِيريِ
          وأنشد أيضاً _من البحر الطَّويل(27)_:
إذا ما رأيتَ المرءَ يَقْتَادُه الهوى                      فقد ثَكِلَتْهُ عندَ ذاكَ ثَواكِلُه
وقد أَشْمَتَ الأعداءَ جَهْلاً بنفسِه                      وقد وَجَدَتْ فيه مَقَالاً عَواذِلُه
ومن نازع النَّفس اللَّجُوج عن الهوى                     مِنَ النَّاسِ إلَّا وافِرُ العقلِ كامِلُه
          وذكروا(28) عند سفيانَ الفضل بن الرَّبيع ودهاءه، فأنشد _من البحر البسيط_:
كم مِنْ قويٍّ قويٍّ في تقلُّبهِ                     مهذَّبُ الرَّأيِ عنه الرِّزقُ مُنْحَرِفُ
ومن ضعيفٍ ضعيفِ العقلِ مختلِطٌ                     كأنَّه من خَليجِ البحرِ يَغْترِفُ
          وجاءه رجل من أصحاب أبي حنيفة، فأعرض عنه، ثمَّ دار من ناحية أخرى، فأعرض عنه، فأنشد سفيان _من البحر الطَّويل_:
وما يلبثُ الأقوامُ أن يتفرَّقوا                     إذا لم يؤلَّفْ روحُ شَكْلٍ إلى شَكْلِ
أَرِحْنِي وكُنْ مِثلي أو ابتغِ صَاحِبَاً                     كمثلِكَ إني أبتغي صاحباً مِثْلِي(29)
          وقال سفيان: / إنَّ العلم إذا لم ينفعك ضرَّك.
          وقال في قوله تعالى: { أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا } [الرعد:17] أنزل من السَّماء قرآناً، فاحتمله الرِّجال بعقولها. { كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء } وهو قول أهل البدع والأهواء. { وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ }[الرعد:17] وهو الحلال والحرام(30) .
          وقال: إنَّ العاقل إذا لم ينتفع بقليل الموعظة لم يزدد على الكثير منها إلا شرًّا.
          وقال: لا تبلغوا ذروة هذا الأمر حتَّى لا يكون شيء أحبَّ إليكم من الله، ومن أحبَّ القرآن، فقد أحبَّ الله، افهموا ما يقال لكم.
          وقال: بئس المتحوِّل عبد مقيم على ذنب، ثمَّ يتحول منه إلى غير توبة.
          وقال: قال العلماء: من لم يصلح على تقدير الله لم يصلح على تقديره لنفسه، فلو نادى منادٍ من السَّماء: إنَّ النَّاس كلهم يدخلون الجنَّة، وأنا وحدي أدخل النَّار، لكنت بذلك راضياً، وإنَّ من شُكْرِ الله على النِّعمة أن تحمده(31) عليها، وتستعين بها على طاعته، فما شكر الله من استعان بطاعته على معاصيه، وعليك بالنُّصح لله في خلقه، فلن تلقى الله(32) بعمل أفضل منه، واسمعوا ما يقال لكم، فإنَّه أنفع لكم من الحديث: لو أنَّ رجلاً أصاب من مالِ رجلٍ شيئاً، فتورَّع عنه بعد موته، فجاء إلى ورثته لكُنَّا نرى(33) أنَّ ذلك كفَّارة له، ولو أنَّ رجلاً أصاب من عرض رجل شيئاً، فتورَّع عنه بعد موته، فجاء إلى ورثته وإلى جميع أهل الأرض، فجعلوه في حِلٍّ ما كان في حِلٍّ، فعِرْضُ المؤمن أشدُّ من ماله، افقهوا ما يقال لكم.
          ووقف فضيل بن عياض على رأس سفيان وحوله جماعة، فقال له: يا أبا محمَّد { قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } [يونس:58] فقال له سفيان: يا أبا عليٍّ، والله لا نفرح أبداً حتَّى نأخذ دواء القرآن فنضعه على داء القلب(34) . قاله أبو نعيم الأصفهانيُّ، وذكر مثله أيضاً في ترجمة سفيان الثَّوريِّ(35) ، وقد مضى فتأمَّل.
          قال يحيى بن عمر بن راشد التَّيميُّ: كنت أطلب العَرْض(36) ، فأنفقت ما كان معي، وأتاني سفيان بن عيينة حين بلغه خبري، فقال لي: لا تأس على ما فاتك، واعلم أنَّك لو رزقت لأتاك. ثمَّ قال: أبشر فإنَّك على خير، أتدري من دعا لك؟ قلت: ومن دعا [لي] ؟ قال: دعا لك حملة العرش. قلت: دعا لي حملة العرش؟ قال: نعم، ودعا لك نوح وإبراهيم ومحمَّد صلعم. قلت: أين دعوا لي؟ قال أما سمعت قوله { الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا } الآية [غافر:7] قلت: أين دعا لي نوح؟ قال: / أما سمعت قوله تعالى: { رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ } [نوح:28] قلت: أين دعا لي إبراهيم؟ قال: أما سمعت قوله تعالى: { رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ } [إبراهيم:41] فقلت: أين دعا [لي] محمَّد صلعم ؟ فهزَّ رأسه، ثمَّ قال: أما سمعت قوله تعالى: { وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ } [محمد:19] وكان أطوع لله وأرأف بها وأرحم أن يأمره الله بشيء ثمَّ لا يفعله.
          وقال: قال بعض الفقهاء: العلماء ثلاثة، عالم بالله، وعالم بأمر الله، وعالم بالله وبأمر دينه؛ فأمَّا العالم بالله، فهو الذي يخاف الله ولا يعلم السُّنَّة، وأمَّا العالم بأمر دينه(37) ، فهو الذي يعلم السُّنَّة ولا يخاف الله، وأمَّا العالم بالله وبأمر دينه، فهو الذي يعلم السُّنَّة ويخاف الله، فذاك يدعى عظيماً في السَّماء.
          وقال: ليس في الأرض صاحب بدعة إلَّا وهو يجد(38) ذلَّة تغشاه. قال: وهي في كتاب الله. قالوا: وأين هي من كتاب الله؟ قال: أما سمعتم قوله: { إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا } [الأعراف:152] قالوا: يا أبا محمَّد، هذا لأصحاب العجل خاصَّة. قال: كلا، اتلو ما بعدها { وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ } فهي لكلِّ مفترٍ ومبتدع إلى يوم القيامة.
          وقال: من طلب الحديث فقد بايع الله.
          وقال: لو أن(39) رجلاً استقبل القبلة، ثمَّ ذكر الحديث لرجوت أن لا يقوم حتَّى يغفر له.
          وقال: سمعت أبا خالد يقول: تَخْضَرُّ(40) الحكمة بثلاث: الإنصات، والاستماع، والوعي، وتُلَقَّح الحكمة بثلاث: الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزول الموت.
          وقال: إنَّ هذا العلم لن يخرج من وعاء قطُّ إلَّا صار [في] دونه.
          وسئل عن أحوج النَّاس إلى العلم، فسكت، فقيل: تكلَّم يا أبا محمَّد. قال: أحوج النَّاس إلى العلم العلماء، وذلك أنَّ الجهل بهم أقبح؛ لأنَّهم غاية النَّاس، وهم يُسألون. وقال: تدرون(41) ما مَثَلُ هذا العلم؟ مَثَلُ العلم دارُ الكفر ودارُ الإسلام، فإن ترك أهل الإسلام [الجهاد] جاء أهل الكفر فأخذوا الإسلام، وإن ترك النَّاس العلم صاروا جهَّالاً.
          وقال: قيل لبعض الحكماء: ما الصَّبر؟ قال: الذي يكون في الحال الذي نزل به ما يكره مثل الحال الذي لم يكن أصابه البلاء.
          وقال: أفضل العلم العلم بالله، والعلم بأمر الله؛ فإذا كان العبد عالماً بالله وعالماً بأمر الله فقد بلغ، ولم يصل إلى العباد نعمة أفضل من العلم بالله والعلم / بأمر الله، ولم يصل إليهم عقوبة أشدُّ من الجهل بالله والجهل بأمر الله.
          وقال: إذا أعجبك الصَّمت فتكلَّم، وإذا أعجبك الكلام فاسكت.
          وقال: كان يقال: لأن يكون لك عدوٌّ صالح خير من أن يكون لك صديق فاسد؛ لأنَّ العدوَّ الصَّالح يحجزه إيمانه أن يؤذيك أو ينالك بما تكره، والصَّديق الفاسد لا يبالي ما(42) نال منك.
          وقال سفيان: يقال: من قرأ القرآن يسأل عمَّا يسأل عنه الأنبياء إلَّا تبليغ(43) الرِّسالة.
          وقال: قيل لحكيم: ما لكم أحرص النَّاس على طلب العلم؟ قال: لأنَّا أعلم النَّاس به.
          وقال: قول الشَّخص: السَّلام عليكم، تقول: أنت منِّي سالم، وأنا منك سالم. ثمَّ يدعو له، ولا ينبغي لهذين إذا سلَّم بعضهما على بعض أن يذكره من خلفه بما لا ينبغي له من غيبة أو غيرها.
          قال: قلت لمسعر: أتحبُّ أن يحبَّك رجل فيخبرك(44) بعيوبك؟ قال: إن كان ناصحاً فنعم، وإن كان إنَّما يريد أن يوبِّخني(45) فلا.
          وقال: لا تغبطوا الأحياء إلَّا بما تغبطون به الأموات، إنَّما يغبط الميِّت إذا قيل: مات فلان ولم يترك شيئاً.
          وقال: قال بعضهم: لم يُعبد(46) الله بمثل العقل(47) ، ولا يكون عاقلاً حتَّى يكون فيه عشر خصال، فعدَّ منها تسعة: حتَّى يكون الكِبْر منه مأموناً، والرُّشد منه مأمولاً، ويكون الذُّلُّ أحبَّ إليه من العزِّ، والفقر أحبَّ إليه من الغنى، وحتَّى يستكثر قليل المعروف من غيره، ويستقلَّ كثيره من نفسه، وحتَّى يكون نصيبه من الدُّنيا القوت، وحتَّى يكون طالباً للعلم طول عمره، والأخرى شاد بها مجده، وعلا بها ذكره، ولا يلقاه أحد إلَّا رأى نفسه دونه.
          وقال سفيان: قال عليٌّ: العمل الصَّالح هو الذي لا تحبُّ أن يحمدك عليه إلَّا الله ╡.
          وقال سفيان: إذا أظهر العبد لباس سريرته مثل ما أظهر من لباسه كتبه الله عنده من أهل العدل، فإن زلَّ فيما بينه وبين ربِّه بذنب لم يطَّلع النَّاس عليه كتبه الله عنده من الجائرين؛ لأنَّ ذنبه مخالف للباسه، فإذا أظهر العبد لباساً، وسريرته أحسن من لباسه، كتبه الله عنده من أهل الفضل، فإن زلَّ فيما بينه وبين ربِّه(48) بذنب لم يطَّلع النَّاس عليه، ردَّه الله عن الفضل إلى العدل، ولم يكتبه من الجائرين؛ لأنَّ ذنبه محتمل للباسه، فكم من جارَيْنِ(49) متجاورين، هذا مظهر للنَّاس التِّجارة(50) ، يطَّلع الله من قلبه على أنَّه / زاهد في الدُّنيا، وهذا مظهر للنَّاس الزُّهد، يطَّلع الله من قلبه على أنَّه محبُّ الدُّنيا(51) .
          قام رجل من أهل بغداد إلى سفيان، فقال: يا أبا محمَّد، أخبرني عن قول مُطَرِّفِ بنِ الشِّخِّير: لأن أعافى فأشكر أحبُّ إليَّ من أن أبتلى فأصبر، أهو أحبُّ إليك أم قول أخيه أبي العلاء: اللهم إنِّي رضيتُ لنفسي ما رضيتَ لي؟ فسكت سكتة، ثمَّ قال: قول مطرِّف أحبُّ إليَّ. فقال الرَّجل: كيف وقد رضي هذا لنفسه ما رضي الله له؟ فقال (لي) سفيان: إنِّي قرأت القرآن، فوجدت صفة سليمان ◙ مع العافية التي كان فيها { نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } [ص:30] ووجدت صفة أيُّوب ◙ مع البلاء الذي كان فيه { نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } [ص:44] فاستوت الصِّفتان، وهذا معافًى، وهذا مبتلًى، فوجدت الشُّكر قد قام مقام(52) الصَّبر، فلمَّا اعتدلا كانت العافية مع الشُّكر أحبَّ إليَّ من البلاء مع الصَّبر.
          وقال: كان يقال: دع الكبر والفخر(53) ، واذكر طول الثَّواء في القبر.
          وقال: قال أبو الدَّرداء: إنَّكم لن تزالوا بخير ما أحببتم خياركم، وقيل فيكم بالحقِّ [فعُرف] ، ويل لكم إذا كان العالم فيكم كالشَّاة النَّطيح.
          وكان يقول: اللهم أمتعنا بخيارنا، وأعنَّا على شرارنا(54) ، واجعلنا خيار أهلنا(55) ، واجعل أمرنا عند خيارنا، وإذا أذهبت الصَّالحين فلا تبقنا بعدهم.
          وقال: قيل(56) : أصلحوا ما تقدمون عليه بما تظعنون عنه؛ فإنَّ الحقَّ للخالق، والشُّكر للمنعم، وإنَّما الحياة بعد الموت، وإنَّما البقاء بعد القيامة.
          قال: وكان رجل عابد ورجل عالم، فقال العالم للعابد: مالك لا تأتيني والنَّاس يأتوني ويحتاجون إلى علمي؟ قال: أنا أُحسن شيئاً قليلاً وأنا أعمل به، فإذا فني أتيتك.
          وقال: كان يقال: الجهاد عشرة، فجهادك العدوِّ واحد، وجهادك نفسك تسعة.
          وسئل عن قوله تعالى: { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى } [المائدة:2] وهو أن يعمل به، ويدعو إليه، ويعين فيه، ويدلَّ عليه.
          وقال: إنَّما سُمُّوا المتَّقين؛ لأنَّهم اتَّقوا ما لا يتَّقى.
          قال: ولم يعرفوا حتَّى أحبُّوا أن لا يعرفوا.
          وقال: إنِّي لأغضب على نفسي إذا رأيتكم تأتوني، أقول: لم يأتني هؤلاء إلَّا من خير يظُّنون بي.
          وقال: لأن يقال فيك الشَّرُّ وليس فيك، خير من أن يقال فيك الخير وليس فيك.
          وقال: عند ذكر الصالحين تنزَّل الرَّحمة. وقال: من (أبرِّ) البرِّ كتمان المصائب.
          وقال: لا تكن مثل العبد السُّوء لا يأتي حتَّى ينادى، ائت الصَّلاة قبل النداء.
          وقال: قال / رجل: إنَّ من توقير الصَّلاة أن تأتي قبل الإقامة، وليس من عباد الله أحد إلا ولله الحجَّة عليه(57) ؛ إمَّا في ذنب، وإمَّا في نعمة قصَّر في شكرها.
          وسئل سفيان عن فضل العلم، فقال: ألم تسمع إلى قوله حين بدأ به، فقال: { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ } [محمد:19] ثمَّ أمره(58) بالعمل، فقال: { وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ } [غافر:55] وهي شهادة أن لا إله إلا الله، لا يغفر إلَّا بها، من قالها غفر له، وقال: { قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ } [الأنفال:38] وقال: { وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } [الأنفال:33] (يوحِّدون)، وقال: { اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا } [نوح:10] يقول: وحِّدوه. والعلم قبل العمل، ألا تراه قال: { اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ } [الحديد:20] الآية، إلى أن قال: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا } [الحديد:21] ثمَّ قال: (59) { وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ } [الأنفال:28] ثمَّ قال: { فَاحْذَرُوهُمْ } [التغابن:14] بعدُ، يعني أمر بالعلم بأنَّ الدُّنيا لعب، ثمَّ أمر بالمسارعة إلى التَّوحيد، ثمَّ أمرهم بالعلم بفتنة الأموال والأولاد، ثمَّ حذَّرهم عنها بعد أن رغَّبهم في التَّوحيد، وقال: { وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ } [الأنفال:41] ثمَّ أمر بالعمل به.
          وقال سفيان عن فضيل بن عياض: يُغفر للجاهل سبعون ذنباً قبل أن يُغفر للعالم ذنب واحد.
          وقال: قال أيُّوب ◙: اللهم إنَّك تعلم أنَّه لم يعرض لي أمران قطُّ، أحدهما لك فيه رضًا إلَّا اخترت الذي لك فيه رضًا على الذي لي فيه هوى. قال: فنودي من غمامة من عشرة آلاف صوت: يا أيُّوب، من فعل ذلك بك؟ فوضع التُّراب على رأسه، ثمَّ قال: أنت يا ربَّ.
          وقال: قال عبد الملك لأبي حازم: ارفع إليَّ(60) حاجتك. قال: هيهات هيهات(61) ، قد رفعتها إلى من لا تختزن الحوائج دونه، فما أعطاني منها قنعت، وما زوى عنِّي رضيت.
          قال: ودخل أبو حازم على أمير المدينة، فقال له: تكلَّم. فقال: انظر النَّاس ببابك، إن أدنيت أهل الخير ذهب أهل الشَّرِّ، وإن أدنيت أهل الشَّرِّ ذهب أهل الخير.
          وقال: كان يقال: الأيَّام ثلاثة، فأمس حكيم مودِّع(62) ، وترك حكمته وأبقاها عليك، واليوم صديق مودِّع طويل الغيبة؛ حتَّى أتاك ولم تأته، وهو عنك سريع الظَّعن، وغداً لا تدري أتكون من أهله أو لا؟ وقال: قال عمر بن الخطَّاب: عليكم بالصِّدق، وإن ظنَّ أحدكم أنَّه مهلكه، فإنَّه أنجى له.
          وقال: ما أخلص عبدٌ لله أربعين يوماً إلَّا أنبت الله الحكمة في قلبه نباتاً، وأطلق لسانه بها، وبصَّره بعيوب(63) الدُّنيا داءها ودواءها، وما شيء أضرُّ من المملوك(64) السُّوء، و [من] علمٍ لا يعمل به.
          وسئل عن الزُّهد في الدُّنيا، فقال: من لم يغلب الحلالُ شُكْرَه، ولا الحرامُ / صَبْره.
          وقال: شرار من مضى عامَ أوَّل خيرٌ من خياركم اليوم. وقال: كان يقال: أشدُّ النَّاس حسرة يوم القيامة ثلاثة: رجل كان له عبد، فجاء يوم القيامة أفضل عملاً منه، ورجل (كان) له مال، فلم يتصدَّق منه، فمات، فورثه غيره، فتصدَّق منه، ورجل عالم لم ينتفع بعلمه، وعلَّم غيره فانتفع به.
          ونظر إلى كثرة أصحاب الحديث، فقال(65) : ثلاث(66) يتبعون الشَّيطان، وثلاث لا يعملون، وثلاث يموتون. وقال: لا يصيب عبدٌ حقيقةَ التَّقوى؛ حتَّى يجعل بينه وبين الحرام حاجزاً من الحلال، وحتَّى يدع الإثم، وما تشابه منه.
          وقال: قال أبو حازم: إنَّ الرَّجل ليعمل الحسنة، ما عمل سيِّئة أضرَّ عليه منها، وإنَّه ليعمل السَّيِّئة، ما عمل حسنة أنفع له منها. قلت: معناه أنَّه إذا عمل حسنة، فدخله الرِّياءُ والعُجْبُ كان أضرَّ عليه من سيِّئة أدخلته النَّدامة والخوف، فتأمَّل.
          وقال مخاطباً لنفسه: يا سفيان إنَّ الزَّمان الذي يحتاج إليك لزمان سوء.
          وقال: قال لي بشر بن منصور الزَّاهد: يا سفيان، أقلل من معرفة النَّاس، لعلَّه أن يكون غداً في القيامة أقلَّ لفضيحتك إذا نودي عليك بسوء عملك.
          وقال: سمعت مساور الورَّاق يقول: إنَّما تطيب المجالس بخفَّة الجلساء.
          وقال: قال مسعر: إنَّ رجلاً ركب البحر، فكُسرت السَّفينة، فوقع في جزيرة، فمكث ثلاثة أيَّام لا يرى أحداً، ولم يأكل طعاماً، ولا شراباً، فتمثَّل _أي من البحر الوافر، وفيه الإقواء_:
إذا شابَ الغرابُ أتيتُ أهلي                     وصار القارُ كاللَّبنِ الحليبِ
          [فأجابه مجيب لا يراه _أي من الوافر أيضاً_]
عَسَى الكَرْبُ الذي أمسيتَ فيه                     يكون وراءهَ فرجٌ قريبُ
          فنظر فإذا سفينة قد أقبلت، فلوَّح لهم فحملوه، فأصاب خيراً كثيراً.
          وشكى رجل إلى سفيان من زوجته، فقال: أنا أذل الأشياء عندها وأحقرها. فأطرق ملياً، ثمَّ رفع رأسه، فقال: لعلَّك رغبت إليها لتزداد عزًّا، فقال: نعم، يا أبا محمَّد. قال: من ذهب إلى العزِّ ابتلي بالذُّلِّ، ومن ذهب إلى المال ابتلي بالفقر، ومن ذهب إلى الدِّين يجمع الله له العزُّ والمال مع الدِّين. ثمَّ قال: كنا إخوة أربعة: محمَّد، وعمران، وإبراهيم، وأنا، فمَّحمد أكبرنا، وعمران أصغرنا، وكنت أوسطهم، فمحمَّد رغب في الحسب، فتزوَّج من هي أكبر منه حسباً، فابتلاه الله بالذُّل. وعمران رغب في المال، فتزوَّج من هي أكثر منه مالاً، فابتلاه الله بالفقر، أخذوا ما في يديه، ولم / يعطوه شيئاً، فتعبت من أمرهما(67) ، فقدم علينا معمر بن راشد، فشاورته، وقصصت عليه قصَّة أخويَّ، فذكَّرني حديث يحيى بن جَعْدَة وعائشة، فأمَّا حديث يحيى، قال النَّبيُّ صلعم: «إنَّما تنكح المرأة على أربع، على دينها وحسبها وجمالها ومالها(68) ، فعليك بذات الدِّين تربت يداك».(69) وحديث عائشة أنَّ النَّبيَّ صلعم قال: «أعظم النِّساء بركة أيسرهنَّ مؤنة»(70) . فاخترت لنفسي الدِّين، وتخفيف الظَّهر اقتداء بسنَّة رسول الله صلعم، فجمع الله لي العزَّ والمال مع الدِّين.
          وقال: الإيمان قول وعمل. فقيل له: يزيد وينقص؟ قال: نعم، حتَّى لا يبقى منه مثل هذا. ورفع شيئاً من الأرض، وقرأ: { زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا }(71) [التوبة:124] .
          وخرج مرَّة، فنظر إلى أرباب الحديث، فقال: فيكم(72) أحد من أهل مصر؟ فقالوا: نعم. فقال: ما فعل فيكم اللَّيث بن سعد؟ قالوا: توفِّي. قال: فيكم أحد من أهل الرَّملة؟ قالوا: نعم. قال: ما فعل ضَمْرَةُ بنُ ربيعة الرَّمْلِيُّ؟ قالوا: توفِّي. قال: فيكم أحد من أهل حمص؟ قالوا: نعم. قال: ما فعل بَقِيَّةُ بنُ الوليد؟ قالوا: توفِّي. قال: فيكم أحد من أهل دمشق؟ قالوا: نعم. قال: ما فعل الوليد بن مسلم؟ قالوا: توفِّي. قال: هل فيكم أحد من أهل قيساريَّة(73) ؟ قالوا: نعم. قال: ما فعل محمد بن يوسف الفِرْيَابِيُّ؟ قالوا: توفِّي. فبكى طويلاً، ثمَّ أنشد_من البحر الكامل_:
خَلَتِ الدِّيَارُ فَسُدْت غيرَ مُسَوَّدِ                     ومنَ الشَّقَاءِ تفرُّدي بالسُّؤْددِ
          (قال: سئل علي بن أبي طالب عن) قوله تعالى: { إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ } [النحل:90] قال: العدل الإنصاف، والإحسان: التَّفضُّل.
          وسئل سفيان: لأيِّ شيء سمَّى الله تعالى نفسه بالمؤمن؟ قال: لأنَّه يؤمِّن من عذابه بالطَّاعة.
          وقال: قال عمر لعبد الله بن أرقم: اقسم بيت المال (في) كلِّ شهر؛ بل (في) كلِّ جمعة. فقال طلحة: يا أمير المؤمنين، لو حبست(74) شيئاً بعده(75) ، عسى أن يأتيك أمر تحتاج إليه، فلو تركت عُدَّة لنائبة إن نابت المسلمين. فقال عمر: كلمة ألقاها الشَّيطان على لسانك، وقاني الله فتنتها، لتكون(76) فتنة لقوم بعدي، أعصي الله العامَ مخافة عام قابل؟ بل أعدُّ لهم ما أعدَّ رسول الله صلعم، قال الله تعالى: { وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا*وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } [الطلاق:2-3] .
          - وقال: قال مجاهد: { وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } [الشرح:4] قال: لا أُذكر إلَّا ذكرت معي، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنَّ محمَّداً رسول الله.
          ولمَّا قدم سفيان مكَّة، وفيها رجل من آل / المنكدر يفتي، فقعد سفيان يفتي، فقال المنكدريُّ(77) : من هذا الذي قدم بلادنا يفتي؟ فكتب إليه سفيان: مكتوب في التَّوراة: عدوِّي من يعمل بعملي، فكفَّ المنكدريُّ.
          وقال أبو نعيم الأصفهانيُّ(78) : قصَّة الحيَّة عن سفيان، أنَّه كان ذات يوم في مجلس سفيان ألف رجل أو يزيدون أو ينقصون، فالتفت في آخر مجلسه إلى رجل كان عن يمينه، فقال: قم فحدِّث القوم بحديث الحيَّة. فقال (الرَّجل): أسندوني. فأسندناه، وسال جفون عينيه، ثمَّ قال: ألا فاسمعوا وعوا، حدَّثني أبي عن جدِّي أنَّ رجلاً كان يعرف بمحمَّد(79) بن حِمْيَر، وكان معه ورع، يصوم النَّهار، ويقوم اللَّيل، وكان صيَّاداً، فخرج ذات يوم يتصيد(80) ؛ إذ عرضت له حيَّة، فقالت: يا محمَّد بن حِمْيَر، أجرني أجارك الله. قال: ممَّن؟ قالت: من عدوٍّ قد ظلمني. قال: وأين هو؟ قالت: من ورائي. قال: ومن أيِّ أُمَّة أنت؟ قالت: من أمَّة محمَّد، أشهد أن لا إله إلا الله. قال: ففتحت ردائي، فقلت: ادخلي فيه. قالت: يراني عدوِّي. قال: قلت: ادخلي بين ظهري وبطني. قالت: يراني عدوِّي. قلت: فما الذي أصنع بك؟ قالت: إن أردت اصطناع المعروف فافتح لي فاك حتَّى أدخل فيه. قال: أخشى أن تقتليني. قالت: لا والله، لا أقتلك، الله شاهد عليَّ بذلك وملائكته وأنبياؤه وحملة عرشه وسكَّان سماواته إن أنا قتلتك. فاطمأنيت إلى يمينها، ففتحت فمي، فانسابت فيه، ثمَّ مضيت؛ إذ عارضني رجل ومعه صَمْصَامَةٌ، فقال: يا محمَّد، لقيت عدوي؟ قلت: ومن عدوُّك؟ قال: حيَّة. قلت: اللهم لا. واستغفرت ربِّي من قولي: (لا) مئة مرَّة، وقد علمت أين هي(81) ، ثمَّ مضيت أقول(82) ذلك؛ إذ قد أخرجت رأسها من فمي، ثمَّ قالت: انظرْ مضى العدوُّ؟ فالتفتُّ، فلم أر إنساناً، فقلت: ما أرى إنساناً، إن أردت تخرجي فاخرجي. قالت: انظر مليَّاً. قال محمَّد: فرميت حماليق عينيَّ في الصَّحراء، فلم أر شيئاً(83) . فقلت: إن أردت أن تخرجي فاخرجي، فلست أرى إنساناً. فقالت: الآن يا محمَّد، اختر واحدة من اثنين. قلت: وما هي؟ قالت: إمَّا أن أثقب فؤادك فأقتلك، وإمَّا أن أفتِّت كبدك. قال: وما كافيتيني؟! قالت: ولِمَ تصنع المعروف إلى من لا تعرف(84) ؟ قلت: يا سبحان الله! أين العهد الذي عاهدت؟ ويحك ما أسرع ما نسيت! قالت: يا محمَّد، ما نسيت العداوة التي بيني وبين أبيك آدم؛ حيث أضللته / وأخرجته من الجنَّة. فقلت: وليس بُدٌّ من قتلي؟ قالت: لا بدَّ. قلت: فأمهليني حتَّى أصير إلى سفل(85) الجبل، فأمهِّد لنفسي موضعاً. قالت: شأنك. قال محمَّد: فمضيت أريد الجبل، وقد أيست من الحياة؛ إذ رميت حماليق بصري نحو العرش، ثمَّ قلت: يا لطيف(86) ، الطف بي بلطفك الخفيِّ، يا لطيف، بالقدرة التي استويت(87) بها على العرش، فلم يعلم العرش أين مستقرُّك منه إلَّا كفيتنيها. ثمَّ مشيت، فعارضني رجل صبيح الوجه، طيِّب الرَّائحة، نقيٌّ من الدَّرن، فقال لي: سلام عليك. فقلت: وعليك السَّلام يا أخي. قال: ما لي أراك قد تغيَّر لونك؟ فقلت: يا أخي، من عدوٍّ قد ظلمني. فقال: وأين عدوُّك؟ قلت: في جوفي. قال لي: افتح فاك. ففتحت فمي، فوضع فيه مثل ورقة خضراء، ثمَّ قال: امضغ وابلع. فمضغت وبلعت، قال: فلم ألبث إلَّا يسيراً حتَّى مغصني بطني، ودارت في بطني، فرميت بها من أسفلي قطعة قطعة، فتعلَّقت بالرَّجل، ثمَّ قلت(88) : من أنت [الذي] مَنَّ الله عليَّ بك؟ فضحك، ثمَّ قال: ألا تعرفني؟ قلت: اللهم لا. قال: يا محمَّد، لمَّا كان بينك وبين الحيَّة ما كان، ودعوتَ بذلك الدُّعاء، ضجَّت ملائكة السَّبع سماوات إلى الله تعالى، فقال الله تعالى: وعزَّتي وجلالي وجودي وارتفاعي في علوِّ مكاني إن كان بعيني كلُّ(89) ما فعلت الحيَّة [بعبدي] . فأمرني الله تعالى _وأنا الذي يقال لي: المعروف، مستقري في السَّماء الرَّابعة_ أن انطلقْ إلى الجنة(90) ، وخذ طاقة خضراء، فالحقْ بها عبدي محمَّد بن حِمْير. يا محمَّد، عليك باصطناع المعروف، فإنَّه يقي مصارع السُّوء، وإنَّه إن ضيَّعه المصطنَعُ إليه لم يضع عند الله.
          قال سفيان: عليك بالنُّصح لله في خلقه، فلن تلقى الله بعمل أفضل منه، لو هبط عليَّ ملك من السَّماء فأخبرني أنَّ النَّاس كلَّهم يدخلون الجنَّة، وأنا وحدي في النَّار، لكنت بذلك راضياً.
          وسأله رجل عن مسألة قال: لا أدري. فقال: يا أبا محمَّد، إنَّها قد كانت، وأنا لا أدري، فأيش نعمل؟ وقال لشيخ إلى جانبه: (فقال): يا شيخ، بلغني أنَّك تفتي في بلادك. قال: نعم يا أبا محمَّد. قال: أحمق والله.
          وسأله رجل مرَّة عن مسألة، فقال: ما أُحْسِنُ.
          وقيل له: إنَّ بشراً المريسيَّ يقول: إنَّ الله لا يُرى يوم القيامة. فقال: قاتل الله أكذوبته(91) ، لم يسمع قوله تعالى: { كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ } [المطففين:15] ؟ فإذا احتجب عن / الأولياء والأعداء، فأيُّ فضيلة للأولياء على الأعداء؟
          ولمَّا أخذوا بشراً المريسيَّ بمنى، قام سفيان من المجلس مغضباً، وأخذ بيد إسحاق بن المسيَّب، ودخل يسبُّ النَّاس، وقال: لقد تكلَّموا في القدر والاعتزال، وأمرنا باجتناب القوم. وقال: رأينا علماءنا، هذا عمرو بن دينار، وهذا ابن المنكدر؛ حتَّى ذكر أيُّوب بن موسى، والأعمش، ومنصوراً، ومسعراً، ما يعرفونه إلَّا كلام الله، ولا نعرفه إلَّا كلام الله، فمن قال غير هذا فعليه لعنة الله مرَّتين، فما أشبه هذا بكلام النَّصارى، فلا تجالسوهم.
          وسئل عن الزُّهد، فقال: الزُّهد فيما حرَّم الله؛ فأمَّا ما أحلَّ الله فقد أباحَكَه الله، فإنَّ النَّبيِّين قد نكحوا، ولبسوا، وركبوا، وأكلوا(92) ، ولكنَّ الله نهاهم عن شيء فانتهَوا عنه، وكانوا به زهَّاداً.
          وقال: قيل لمحمَّد بن المنكدر: ما بقي ممَّا تستلذُّ بذلك؟ قال: التقاء الإخوان(93) ، وإدخال السُّرور عليهم. وفي رواية: الإفضال على الإخوان.
          وقال: قال مُسَاوِر: ما كنت أقول لرجل: إنِّي أحبُّك في الله، ثمَّ أمنعه شيئاً من الدُّنيا.
          قال: وقيل لابن المنكدر بعدما صلَّى على رجل: أتصلِّي على فلان؟ قال: إنِّي أستحي من الله أن يعلم منِّي أنَّ رحمته تعجز عن أحد من خلقه.
          وسئل سفيان عن قوله: يوشك أن يأتي على النَّاس زمان أفضل عبادتهم التَّلاوم. قال: ألا ترى أنَّه لم يبلغ بهم الكفر؟ إنَّما هو لَوْمُ أنفسهم، فإذا كانوا عارفين بالحقِّ، فهو خير (لهم) من أن يزيِّن لهم سوء أعمالهم، ولكنَّهم قوم يعرفون القبيح، فلا ينزعون عنه، وليس هذا كقوله: { قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } [الأنبياء:14] لأنَّ هؤلاء إنَّما أقرُّوا بالظُّلم حين رأوا العذاب: { فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ } [الملك:11] والظُّلم شرك.
          قال: ومن عصا، فهو منتن؛ لأنَّ المعصية نتن.
          وسئل عن قول عليٍّ: الفقيُه كلُّ الفقيهِ من لم يقنِّط النَّاس من رحمة الله، ولم يرخِّص لهم في معاصي الله. فقال: صدق، لا يكون التَّرخيص إلَّا في المستقبل، ولا التَّقنيط إلَّا فيما مضى.
          قال: وقال عبد الله: ثنتان منجيتان، وثنتان مهلكتان، فالمنجيتان: النيَّة والنَّهي، فالنَّية أن تنوي أن تطيع الله فيما يستقبل، والنَّهي أن تنهى نفسك عمَّا حرَّم الله، والمهلكتان: العُجب والقنوط، وأكبر الكبائر الشُّرك بالله والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله، ثمَّ تلا: { فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ } [الأعراف:99] { إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ } [المائدة:72] / { لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ } [يوسف:87] { وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ } [الحجر:56]
          وسئل عن قوله: لا شيء أشدُّ من الورع. قال: إنَّما معنى ذلك: [أنَّه] لا شيء أشدُّ على الجاهل من أن يكون عالماً يعلم ما له وعليه، وكيف يتقدَّم وكيف يتأخَّر. والورع على وجهين: ورع منصت، وهو الذي يعرفه العامَّة، إذا سئل عمَّا لا يعلم قال: لا أعلم. فلا يقول إلَّا فيما يعلم، وورع منطق، يلزمه الورع القول؛ لأنَّه يعلم(94) ، ولا يجد بدًّا من أن ينكر المنكر، ويأمر بالخير، ويحسِّن الحسن، ويقبِّح القبيح، وهو الذي أخذ الله به ميثاق أهل الكتاب ليبيِّننَّه للنَّاس ولا يكتمونه، وهو أشدُّ الورعين وأفضلهما، والعامَّة لا تجعل الورع إلَّا السكوت، وأما القول والجرأة على القول _وإن كان عالماً_ فهو عندهم قلَّة الورع. وقال: قالوا لعبد الله بن عروة: ألا تأتي المدينة؟ قال: ما بقي بالمدينة إلَّا حاسدٌ لنعمة أو فَرِحٌ بنقمة.
          وقال سفيان: إنَّما كان عيسى بن مريم لا يريد النساء لأنَّه لم يخلق من نطفة.
          وسئل مرَّة أخرى عن الورع، فقال: الورع طلب العلم الذي يعرف به الورع، (وهو) عند قوم طولُ الصَّمت، وقلَّةُ الكلام، وما هو كذلك، إنَّ المتكلِّم العالم أفضل عندنا وأورع من الجاهل الصَّامت.
          قال: أُثني على رجل عند النَّبيِّ صلعم فقال: «كيف ذكره للموت»؟ قالوا: ما هو كذلك. قال: «ما هو إذن كما تقولون»(95) .
          وقال: قال سليمان بن داود ♂: أوتينا ما أوتي النَّاس وما لم يؤتوا، وعلمنا ما علم النَّاس وما لم يعلموا، ولم نجد شيئاً أفضل من ثلاثة: كلمة الحكمة في الغضب والرِّضا، والقصد(96) في الفقر والغنى، وخشية الله في السِّرِّ والعلانية.
          وقال: قيل للقمان: أيُّ النَّاس شرٌّ؟ قال: الذي لا يبالي أن يراه النَّاس مسيئاً.
          وقال: قيل لأمِّ(97) الدَّرداء: ما كان أفضل عبادة أبي الدَّرداء؟ قالت: التَّفكُّر والاعتبار. وكان أبو الدَّرداء من الذين أوتوا العلم.
          قال: واستعمل عمر النُّعمان بن مُقَرِّن [على] كَسْكَر(98) ، فكتب النُّعمان إليه: يا أمير المؤمنين، اعزلني عن كَسْكَر، وابعثني في بعض جيوش المؤمنين؛ فإنَّما مثل كَسْكَر مثل مُومِسَةِ بني إسرائيل، تتعطَّر وتتزيَّن في اليوم مرَّتين، فكان عمر إذا ذكر النُّعمان / بعد أن استشهد يقول: يا لهف نفسي على النُّعمان.
          وسئل سفيان عن قوله تعالى: { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } [السجدة:16] قال: هي المكتوبة. { وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } هي القرآن، ألم تسمع إلى(99) قوله: { وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ } [الحجر:87] وإلى قوله تعالى: { وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى } [طه:131] وقال رسول الله صلعم: «لا نفقة أفضل من قول». قال سفيان: ولا قول أفضل من القرآن، ألا ترى أن لا شيء أفضل من لا إله إلا الله؟ ولا قول أعظم ولا شرَّ(100) من الشِّرك. قال الله تعالى: { كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ } [الكهف:5] وقال: { تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ } [مريم:90] الآية.
          وسئل سفيان عن قوله: «اللهم صلِّ على محمَّد كما صلَّيت على إبراهيم وآل إبراهيم». قال: أكرم الله أمَّة محمَّد صلعم فصلَّى عليهم، كما صلَّى على الأنبياء، فقال: { هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ } [الأحزاب:43] وقال: { إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ } [التوبة:103] والسَّكن من السَّكينة، فصلَّى عليهم، كما صلَّى (على) إبراهيم [وإسحاق] وإسماعيل ويعقوب والأسباط، وهؤلاء الأنبياء(101) المخصوصون منهم، وعمَّم(102) الله هذه الأمَّة بالصَّلاة، وأدخلهم فيما أدخل فيه (نبيَّهم)، ولم يدخل في شيء إلَّا دخلت فيه أمَّته، فتلا قوله تعالى: { إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ } [الأحزاب:56] الآية وقال: { هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ } [الأحزاب:43] وقال: { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا } إلى قوله: { مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ } [الفتح:1-5] .
          قال: انتهى حكيم إلى قوم يتحدَّثون، فوقف عليهم وسلَّم، فقال: تحدَّثوا بكلام قوم يعلمون أنَّ الله يسمع كلامهم والملائكة يكتبون.
          وقال: قال العلماء: المدح لا يغيِّر من يعرف نفسه.
          قال منصور بن عامر: تكلَّمت في مجلس فيه سفيان بن عيينة، وفضيل بن عياض، وعبد الله بن المبارك؛ فأمَّا سفيان فتغرغرت عيناه، ثمَّ نشفت الدُّموع، وأمَّا ابن المبارك فسالت دموعه، وأمَّا فضيل فانتحب، فلمَّا قام فضيل وابن المبارك قلت لسفيان: يا أبا محمَّد، ما منعك أن يجيء منك ما جاء من صاحبيك؟ قال: هكذا أكمد للحزن، إنَّ الدَّمعة إذا سالت استراح القلب.
          وقال لسفيان رجل: أهلكني حبُّ الشَّرف. فقال: اتَّق الله، فإنَّك إن اتَّقيت الله شرفت، والله لا تبلغوا ذروة هذا الأمر حتَّى لا / يكون شيء أحبَّ إليكم من الله، فمن أحبَّ القرآن أحبَّ الله، افقهوا ما يقال لكم.
          وقال: عمل رجل من أهل الكوفة بخلق دنيء، فأعتق جار له جاريته شكراً لله تعالى؛ إذ عافاه من ذلك الخلق، وأمطرت مكَّة، فهدمت بيوتاً، فأعتق عبد العزيز بن أبي رَوَّاد جاريته شكراً لله تعالى؛ إذ عافاه منه.
          قال سفيان: من أعطي القرآن، فمدَّ عينيه إلى شيء آخر ممَّا صغر القرآن فقد خالف القرآن، ألم تسمع قوله تعالى: { وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى } [طه:131] يعني القرآن.
          قال: بينا أنا أطوف بالبيت؛ إذ أنا برجل مشرف على النَّاس، حسن الشَّيب، فقال بعضنا لبعض: ما أشبه هذا الرَّجل أن يكون من أهل العلم. قال: فاتَّبعناه حتَّى قضى طوافه، وصار إلى المقام، فصلَّى ركعتين، فلمَّا سلَّم أقبل على القبلة، فدعا بدعوات، ثمَّ التفت إلينا، فقال: هل تدرون ماذا قال ربُّكم؟ قلنا له: وماذا قال ربُّنا؟ قال: قال ربُّكم: أنا الملك، أدعوكم إلى أن تكونوا ملوكاً. ثمَّ أقبل على القبلة، فدعا بدعوات، ثمَّ التفت إلينا، قال: هل تدرون ما قال ربُّكم؟ قلنا: له وماذا قال ربُّنا؟ يرحمك الله. قال: قال ربُّكم: أنا الحيُّ الذي لا أموت، أدعوكم إلى أن تكونوا أحياء لا تموتون. ثمَّ أقبل على القبلة، فدعا بدعوات، ثمَّ التفت إلينا، فقال: هل تدرون ماذا قال ربُّكم؟ قلنا: ماذا قال ربُّنا؟ حدِّثنا يرحمك الله. قال: قال ربُّكم: أنا الذي إذا أردت شيئاً كان، أدعوكم إلى أن تكونوا بحال إذا أردتم شيئاً كان لكم. قال ابن عيينة: ثمَّ ذهب، فلم نره، فلقيت سفيان الثَّوريَّ، فأخبرته بذلك، فقال: ما أشبه أن يكون هذا الخضر أو بعض هؤلاء، يعني الأبدال.
          وقال ابن عيينة: أحبُّ الرَّجل أن يعيش عيش الأغنياء، ويموت موت الفقراء. وقال: وقلَّ ما يكون ذلك. وأوحى الله تعالى إلى موسى: إنَّ أوَّل من مات إبليس، وذلك أنَّه أوَّل من عصاني، فإنَّما أعدُّ من عصاني من الموتى.
          وقال: بينما أنا أطوف بالبيت، وإلى جانبي أعرابيٌّ يطوف، وهو ساكت، فلمَّا أتمَّ [طوافه] جاء إلى المقام، فصلَّى ركعتين، ثمَّ قام بحذاء البيت، فقال: يا إلهي، مَنْ أولى بالزَّلل والتَّقصير منِّي وقد خلقتني ضعيفاً؟! ومن أولى بالعفو عنِّي منك(103) ، / وعِلْمُك فيَّ سابق، وقضاؤك بي محيط؟ أطعتك بإذنك، والمنَّة لك، وعصيتك بعلمك، والحجَّة لك، فأسألك بوجوب حجَّتك عليَّ، وبانقطاع حجَّتي، وفقري إليك، وغناك عنِّي إلَّا ما غفرت ل.: قال سفيان: فخرجت فرحاً ما أعلم أنِّي فرحت مثله حين سمعته يتكلَّم بهؤلاء(104) الكلمات.
          وقال: (إنَّ) النَّبيَّ صلعم كان إذا آنس من أصحابه غفلة أو غِرَّة نادى فيهم بصوت رفيع: «أتتكم المنية راتبة(105) لازمة، إمَّا شقاوة، وإمَّا سعادة»(106) .
          وقال: بلغ عمر بن الخطَّاب أنَّ رجلاً بنى بالآجر(107) ، فقال: ما كنت أحسب أنَّ في هذه الأمَّة مثل فرعون. قال: يريد { ابْنِ لِي صَرْحًا } [غافر:36] { فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ } [القصص:38] وبلغني أنَّ الدَّجال يسأل عن بناء الآجر، هل ظهر بعدُ؟ قال: وبلغ عمر أنَّ أبا الدَّرداء ابتنى كنيفاً بحمص، فكتب إليه: أمَّا بعد يا عويمر، أما كانت لك كفاية فيما بنت الرُّوم عن تزيين الدُّنيا وتجديدها؟ وقد آذن الله بخرابها، فإذا أتاك كتابي هذا فانتقل من حمص إلى دمشق. قال سفيان: عاقبه بهذا. وقال: إنَّ النَّبيَّ صلعم أوصى رجلاً بثلاث، فقال: «أكثر ذكر الموت يسلِّكَ عمَّا سواه، (وعليك بالدُّعاء، فإنَّه لا تدري متى يستجاب لك، و) عليك بالشُّكر، فإنَّ الشُّكر زيادة».(108)
          وقال [لهم] : لم يعط العباد أفضل من الصَّبر، به دخلوا الجنَّة، والحكمة نور تدخله قلبك، وأنشد(109) :
إِذَا المَرْءُ كَانَتْ لَهُ فِكْرَةٌ                      فَفِي كِلِّ شَيءٍ لَهُ عِبْرَةٌ
          والتَّفكر مفتاح الرَّحمة، ألا ترى أنَّه يتفكَّر فيتوب؟
          قال: وكان يقال: اسلكوا سبيل الحقِّ، ولا تستوحشوا من قلَّة أهلها. قال: وما تنعَّم متنعِّم بمثل ذكر الله، وقال داود: ما أحلى ذكر الله في أفواه المتعبِّدين! وقال: قيل للقمان(110) : خير النَّاس الحييُّ الغنيُّ في المال؟ قال: لا، ولكن الذي إذا احتيج إليه نفع، وإذا استغنى عنه نفع. قيل: فمن شرُّ النَّاس؟ قال: من لا يبالي أن يراه النَّاس مسيئاً.
          قال أبو نعيم الأصفهانيُّ(111) : أدرك سفيان من التَّابعين ستَّة وثمانين نفساً من أعلامهم وأركانهم، كعمرو بن دينار، والزُّهري، ومحمَّد بن المنكدر، وعبد الله بن دينار، وزيد بن أسلم، وأبي حازم، ويحيى بن سعيد الأنصاريَّين. ومن الكوفيِّين: أبي(112) إسحاق، وعبد الملك بن عُمير، والأعمش، ومنصور، وإسماعيل بن أبي خالد. ومن البصريِّين: أيُّوب، وسليمان التَّيميِّ، وداود بن أبي هند، وعليِّ بن زيد بن جدعان، وحميدٍ(113) الطَّويل.
          وحدَّث عنه / الأئمَّة، مثل سفيان الثَّوريِّ وهو شيخه، ومثل شعبة وهو شيخه، ومثل الحميديِّ وهو شيخه، ومثل الأعمش، وهو شيخه، ومثل الأوزاعيِّ. قال سفيان: سئل رسول الله صلعم: أرأيت رجلاً أحبَّ قوماً ولمَّا يلحق بهم؟ قال: «المرء مع من أحبَّ». ثمَّ أنشأ يحدِّث: «أنَّ من قِبَل المغرب باباً يفتح للتَّوبة مسيرة عرضه أربعون سنة، فلا يغلق حتَّى تطلع الشَّمس».(114) قال: وجاء رجل إلى النَّبيِّ صلعم فسأله عن السَّاعة، فقال: «ما أعددت(115) لها»؟ فلم يذكر كبيراً إلَّا أنَّه قال: إنِّي أحبُّ الله ورسوله، فقال صلعم «أنت مع من أحببت».(116) وعنه صلعم [أنَّه قال:] «يتبع الميِّت ثلاث: أهله وماله وعمله، فيرجع اثنان فيبقى واحد، يرجع أهله وماله، ويبقى عمله»(117) .
          وقال صلعم: «إنَّ موسى ◙ سأل ربَّه: أيُّ أهل الجنَّة أدنى منزلة؟ فقال رجل: يجيء من بعدِما دخل أهل الجنَّة الجنَّة، فيقال له: ادخل الجنَّة. فقال: كيف أدخل، وقد نزلوا منازلهم، وأخذوا أماكنهم؟ فيقال له: أترضى أن يكون لك مثل ما كان لملك من ملوك الدُّنيا؟ فيقول: نعم أي رب، قد رضيت. فقال له (الملك): هذا ومثله، ومثله، (ومثله، ومثله). قال: فيقول: رضيت أي ربِّ. قال: فيقال(118) له: لك هذا وعشرة أمثاله معه. قال: فيقول: رضيت أي ربِّ. قال: فيقال له: لك مع هذا ما اشتهت نفسك، ولذَّت عينك. قال: فقال موسى: أي ربِّ، فأيُّ أهل الجنَّة أرفع منزلة؟ قال: سأحدِّثك عنهم، إنِّي غرست كرامتهم بيدي، وختمت عليها، فلا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر، قال: ومصداق ذلك في كتاب الله تعالى { فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ } [السجدة:17]» .
          وقال صلعم: «كيف أنعم(119) وقد التقم صاحب القرن القرن، وحنى جبهته، وأصغى بسمعه ينتظر متى يؤمر»؟ قالوا: يا رسول الله، فما تأمرنا؟ قال: «قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، على الله توكَّلنا»(120) .
          [وكان صلعم: «يتعوَّذ من سوء القضاء، وشماتة الأعداء، ودرك الشَّقاء، وجَهد البلاء»(121) ] .
          وقال صلعم: «إنَّكم اليوم في زمان من ترك عُشر ما أُمر به هلك، وسيأتي على النَّاس زمان من عمل منهم(122) بعُشر ما أُمر به نجا»(123) .
          وقال: «إذا رأيت العبد(124) يعطى زهداً في الدُّنيا وقلَّة منطق، فاقتربوا منه، / فإنَّه يُلقَّى الحِكَم».
          وقال صلعم: «أوَّل ما خلق الله العقل، فقال له: أقبل. فأقبل، ثمَّ قال: أدبر. فأدبر، ثمَّ قال: ما خلقت شيئاً أحسن منك، بك آخذ، وبك أعطي؟» ثمَّ قال رسول الله صلعم: «من كان له واعظ من نفسه كان له من الله حافظاً، ومن أذلَّ نفسه في طاعة الله، فهو أعزُّ ممَّن تعزَّز بمعصية الله». ثمَّ قال: «شرار أمَّتي الذين غُذُّوا في النِّعم، الذين يتقلَّبون في ألوان الطَّعام والثِّياب، الثَّرثارون الشَّدَّاقون بالكلام. خيار أمَّتي الذين إذا أساؤوا استغفروا، وإذا أحسنوا استبشروا، وإذا سافروا قصروا وأفطروا(125) ».
          توفِّي سفيان _كما ذكرنا أولَّاً_ يوم السَّبت غرَّة رجب، سنة ثمان وتسعين ومئة.


[1] جاء في غير (ن) ممن سمع منهم: (عبيد الله بن موسى) وليس له رواية عنه، بل هو من تلامذته.
[2] جاء في (ن) هنا زيادة: (وزياد بن سعد بن فروخ، أبا العباس وعبيد الله والسائب بن موسى) وهي في هامش (أ).
[3] في (ن) تصحيفاً: (واستعد).
[4] في (ن): (ستة عشرة).
[5] شرح الصحيح:1/16.
[6] في غير (ن): (حفظت).
[7] في غير (ن): (وقال لي سفيان).
[8] في وفيات الأعيان:2/391.
[9] في (ن) تصحيفاً: (صخر).
[10] في (ن) زيادة: (حدثٌ حديثٌ شابٌّ) وهي في هامش (أ).
[11] في (ن) و(هـ) (خلِّ حُبِّيك لزام) وهو تصحيف وفي س: (حبيبك)، وفي (ن) (وامض عنهم) والبيتان من مجزوء الرمل، ورواية لديوان 194- 195 كما أثبته، وكذلك في وفيات الأعيان:2/392 وقد ضم إليهما بيتاً ثالثاً:
~إنما السالمَ مَنْ ألــ جَمَ فاه بلجامِ
وذكرهما المزي في تهذيب الكمال وضم إليهما ثلاثة أبيات أخرى 31/218.
[12] حديث موضوع، ذكره القاري في الأسرار المرفوعة عن الأخبار الموضوعة: ص184:
[13] الطبراني في الصغير:2/85.
[14] 7/270.
[15] في غير (ن): (اجتمعت).
[16] في (ن) تصحيفاً: (أهلها).
[17] في (س): (معصيته في الشهرة)، (فتيب عليه).
[18] في غير (ن): (نعمة على العباد).
[19] في (ن) تصحيفاً: (ابتلا).
[20] في (ن): (وقال ◙ عيسى).
[21] في (ن): (إني).
[22] في غير (ن): (فسد الملح).
[23] في (ن): (إن).
[24] البيت مع الخبر في الحلية:7/274، والبيت من جملة أبيات في حماسة المرزوقي 807 منسوبة لرجل من خثعم، وجاء عند ياقوت في المعجم: (بقيع الغرقد) منسوباً لعمرو بن النعمان البياضي.
[25] في (ن): (سل العلماء وسل).
[26] في غير (ن): (البلاء).
[27] الأبيات في الحلية 7/276، ورواية البيت الثالث في (ن): (وما فارغ) وفي غيرها: (ولن يزع)، وفي التذكرة السعدية للعبيدي 1/36 والرواية فيها: (إلا فاضل العقل).
[28] في غير (ن): (وذكر مرة).
[29] رواية الحلية: (ابن لي وكن مثلي) والأبيات مع الخبر فيه:7/276، ونسب البيتين الأولين صاحب نفح الطيب؛ المقري:4/114، لأبي عبد الله الأنصاري، وهما فيه، ونسب صاحب الأغاني:9/168، البيتين التاليين لعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، قالهما في عمر بن عبد العزيز ☺، في جملة أبيات منها هذان البيتان، وهما في مجالس ثعلب منسوبان لحمزة بن عبد الله بن عتبة، ورواية البيت الأول في (ن): (وما ملبث) و(روح شكل) والبيت الأخير في (س): (واتبع مصاحباً)، وفي (ن) و(هـ) و(د) (أو اتبع مصاحباً) ويختل الوزن والمثبت موافق لما في الديوان والحلية.
[30] في غير (ن): (الحرام والحلال).
[31] في (ن): (تحمد).
[32] في (ن): (فلن تلقاه).
[33] في (ن): (ألا نرى).
[34] في (ن): (قلبه).
[35] في ترجمة سفيان الثوري، الحلية 7/71، وفي ترجمة سفيان بن عيينة 7/279.
[36] العَرْض: بالتسكين، ما خالف النقدين من متاع الدنيا وأثاثها، وقال أبو عُبيد: العُروض: الأمتعة، وهي ما سوى الحيوان والعقار ومالا يدخله كيل ولا وزن، فكل عَرْضٍ داخل في العَرَض، وليس كل عَرَضٍ عَرْضاً. تاج العروس (عرض)، وجاء في النسخ كلها (الفرض) وهو تصحيف.
[37] في غير (ن): (بأمر الله).
[38] في (ن): (يجدد).
[39] في (ن) تصحيفاً: (وقالوان).
[40] في (ن): (تحضر) وباقي النسخ (تخضرُّ)، والمثبت منها، وهو الصواب.
[41] في غير (ن): (أتدرون).
[42] في غير (ن): (بما).
[43] في (ن): (بتبليغ).
[44] في (ن): (فيخبر).
[45] في غير (ن): (يؤنبني).
[46] في غير (ن): (لم يعبدوا).
[47] في (س): العقد، وهو تصحيف.
[48] في غير (ن): (وبين الله).
[49] في (ن) تصحيفاً: (جائرين).
[50] في (ن) تصحيفاً: (المتجائرين).
[51] في غير (ن): (محب للدنيا).
[52] في غير (ن): (قد قاوم).
[53] في الأصول كلها (الفقر) وهو تصحيف، والمثبت من الحلية 7/283.
[54] في غير (ن): (أشرارنا).
[55] في غير (ن): (خياراً كلنا).
[56] في الحلية:7/283: (قد ورد الأول، والآخر مُسَاق مُتْعَب، وقد تقارَب عطاء حَزْل، وسَلْب فاحش، فأصلحوا ما تقدمون....)
[57] في غير (ن): (عليه الحجة).
[58] في غير (ن): (أمر).
[59] ما بين حاصرتين سقط من الأصول كلها، ولا بد منه ليستقيم الكلام فاستدركته من الحلية.
[60] في غير (ن): (لي).
[61] في (ن): (إيهات إيهات).
[62] في (ن): (أودع).
[63] في غير (ن): (عيوب).
[64] كذا في النسخ كلها، وفي الحلية (الملوك).
[65] في الحلية:7/288 ثلاث يتبعون السلطان، وثلاث لا يفلحون...، والشعر مع الخبر فيه.
[66] في (ن): (ثلاثة).
[67] في (ن): (فتبينت) في الحلية:7/290: فبقيت، وهو وجه قوي، ومعناه: فبقيت في حيرة، والخبر مع الشعر فيه، وهو في جملة أبيات في حماسة المرزوقي 807، ونسبها لرجل من خثعم، وروايته: (فسدت غير) وعند ياقوت في معجم البلدان (البقيع) منسوباً لعمرو بن النعمان البياضي.
[68] في غير (ن): (ومالها وجمالها).
[69] هو في البخاري من حديث أبي هريرة (5090).
[70] مسند أحمد (25119).
[71] في (ن) تصحيفاً: (فزادته).
[72] في غير (ن): (أفيكم).
[73] في غير (ن): (القيسارية).
[74] في (ه): (خفيت).
[75] في غير (ن): (بعد).
[76] في غير (ن): (لتكونن).
[77] في (ن): (المنكدر).
[78] في الحلية:7/293، وفيه: وسال جفون عيينة.
[79] في غير (ن): (محمد).
[80] في (ن): (يصيد).
[81] في (ن): (علمت أنه ذهب).
[82] في كل النسخ: (أقل من)، والمثبت من الحلية:7/293.
[83] في غير (ن): (شبحاً).
[84] في غير (ن): (تعرفه).
[85] في غير (ن): (أسفل).
[86] جاء في هامش (ه) دون إحالة ما نصه: قلت: وهذا الدعاء يخالف ما نقله الدَّميري في هذه القصة، وهي: يا ودود، يا ودود، يا ودود، يا ذا العرش المجيد، يا فعال لما يريد، أسألك بنور وجهك الذي ملأ أركان عرشك، بقدرتك التي قدرت به على خلقك، وبرحمتك التي سبقت كل شيء، لا إله إلا أنت، يا مغيث أغثني، فإذا بالرجل قد عارضني، وفعل ما فعل.
[87] في (ن): (أسست).
[88] في غير (ن): (فقلت).
[89] في (ن): (إن كان لعلمي بكل).
[90] في (ن) تصحيفاً: (الحية).
[91] في غير (ن): (الدويِّبة) وفي (ن) تصحيفاً: (بشراً المرسي) وفيها: (لم يسمع..).
[92] في (ن): (فأكلوا).
[93] كذا غير (ن): (البقاء للإخوان).
[94] في غير (ن): (لا يعلم) وهو تحريف.
[95] مصنف ابن أبي شيبة:5/221، والزهد لأحمد: ص18.
[96] في (ن): (والفضل).
[97] في (ن): (سئل أم).
[98] في (ن) هنا زيادة: (بكافين مفتوحتين بينهما مهملة ساكنة، اسم مدينة بالعراق) وما بين حاصرتين سقط من الأصول واستدرك من الحلية:7/300.
[99] في (ن): (في).
[100] في غير (ن): (أشر).
[101] في (ن) تصحيفاً: (الأشياء).
[102] في غير (ن): (عم).
[103] في غير (ن): (منك عني).
[104] في غير (ن): (بمثل هذه).
[105] في الأصول كلها (آتية) والمثبت من الحلية:7/307.
[106] في غير (ن): (إما بشقاوة وإما بسعادة) والحديث في الحلية.
[107] في (ن): (الآجرة).
[108] في غير (ن): (لأن الشكر).
[109] البيت مع الخبر في الحلية 7/306.
[110] في (ن): (قال لقمان).
[111] الحلية:7/307.
[112] في غير (ن): (أبو).
[113] في (ن): (وحميداً).
[114] مسند الحميدي:2/130.
[115] في (ن): (ما أعدد).
[116] البخاري (3688) ومسلم (2639).
[117] البخاري (6514) ومسلم (2960).
[118] في (ن): (فقال) وكذا الموضع بعده.
[119] في (ن): (العمر) و(صاحب القرا) وهو تصحيف.
[120] أحمد (11039) والترمذي (2431).
[121] البخاري (6347) ومسلم (2707).
[122] في غير (ن): (فيكم).
[123] الترمذي (2267).
[124] في غير (ن): (الرجل) وفي غيرها أيضاً (يعطى الحكمة) بدل (يلقى الحكم).
[125] في غير (ن): (وأظفروا) والحديث في المسند مختصراً (8822).