غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام

سعد بن مالك الشهير بسعد بن أبي وقاص

          437 # سَعْدُ بنُ مَالِك بن وُهَيْب _بضمِّ الواو، وفتح الهاء، ويقال: أُهيب بالهمزة_ بن عبد مناف، أبو إسحاق القرشيُّ، الزهريُّ، المدنيُّ، الصحابيُّ، شهد بدراً، وأمُّه حَمْنَةُ بنتُ سُفْيانَ(1) بن أُميةَ بنِ عبد شمس، الشَّهير بسَعْدِ بن أبي وَقَّاص.
          أسلم بعد سِتة أو أربعة، وقال الكرمانيُّ(2) : إنه ثُلُثُ الإسلام _يعني ثالث ثلاثة_؟ُلُثُ الإسلام، يعني ثالث ثلاثة، كما في الصَّحيح(3) ، / وكان عُمره لمَّا أسلم سبع عشرة سنة. روي عنه أنَّه قال: أسلمت قبل أن تفرض الصَّلاة. وهو أحد العشرة المبشَّرة بالجنَّة، وأحد العشرة سادات الصَّحابة، وأحد الثَّمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، وأحد السِّتَّة أصحاب الشُّورى، الذين أخبر عمر أنَّ رسول الله صلعم توفي وهو عنهم راض. شهد المشاهد كلَّها مع رسول الله صلعم، وأبلى يوم أُحُد بلاء عظيماً، ورمى ذلك اليوم ألف سهم في سبيل الله، وقال له رسول الله صلعم: «ارم سعد فداك أبي وأمي».(4) فجمع له والديه، ولم يجمع لأحد سواه. وقد مضى في الزُّبير أنَّه جمع له أيضاً، وهو أوَّل من أراق دماً في سبيل الله. قال سعد: إنِّي لأوَّل رجل من العرب رمى سهماً في سبيل الله، والله إن كنَّا لنغزو مع رسول الله صلعم ما لنا طعام إلَّا ورق السَّمُر، حتَّى إنَّ أحدنا ليضع كما تضع الشَّاة، ماله خِلْط، ثمَّ أصبحت بنو أسد تعزِّرني على الدِّين، خِبْتُ إذاً وضلَّ عملي(5) . وقال ذلك لمَّا شكى ناس من أهل الكوفة إلى عمر أنَّ سعداً لا يُحسن يُصلِّي، فدعاه عمر، وأشخصَه من الكوفة، واستعمل عليها عَمَّاراً، فقال: يا أبا إسحاق، إنَّ هؤلاء يزعمون أنَّك لا تحسن تصلِّي. قال: أمَّا أنا والله فإنِّي كنت أصلِّي بهم صلاة رسول الله صلعم ما أَخْرِمُ عنها، أصلِّي صلاة العشاء، فَأَرْكُدُ في الأُوْلَيَيْن، وأخفِّف في الأُخْرَيَيْن. قال: ذاك الظَّنُّ بك يا أبا إسحاق. فأرسل معه رجلاً أو رجالاً إلى الكوفة يسأل عنه(6) أهلها، ولم يدعْ مسجداً إلا سأل عنه، فيثنون عليه معروفاً؛ حتَّى دخل مسجداً لبني عَبْسٍ، فقام رجل منهم، يقال له: أُسامة بنُ قَتَادة، يُكنَّى أبا سَعْدَةَ، قال: أمَّا إذ نَشَدْتنا؟ فإنَّ سعداً كان لا يسير بالسَّريَّة، ولا يَقْسِمُ بالسَّوِيَّة، ولا يعدل في القضيَّة. فقال سعد: أما والله لأدعونَّ بثلاث: اللَّهم إن كان عبدك هذا كاذباً قام رياءً وسُمْعةً، فأطل عمره، وأطل فقره، وعرِّضه للفتن(7) . فكان أسامة بعدُ إذا سئل يقول: شيخ كبير مفتون، أصابتني دعوة سعد. قال عبد الملك: فأنا رأيته بعدُ قد سقط حاجباه على عينيه من الكِبَر، وإنَّه ليتعرَّضُ للجواري في الطَّريق يغمزهن(8) . وكان سعد مجاب الدَّعوة، وكان النَّاس يعلمون ذلك، ويتَّقون دعوته، فإنَّ النَّبيَّ صلعم دعا له بذلك، فقال: «اللَّهم استجب دعوته، وسدِّد رميته».(9) وما دعا قطُّ لذي عاهة إلَّا عوفي.
          ذكر حجَّة الإسلام الغزاليُّ في إحيائه(10) أنَّ سعداً لمَّا دخل مكَّة / تلقَّاه المَرْضَى والعُميان وذوو العاهات، يطلبون منه الدُّعاء، وأنَّه بنفسه كان ضريراً، فما دعا لنفسه بالشِّفاء، فقيل له في ذلك، (فقال): شيء اختاره الله لي، لا أريد خلافه.
          وافتخر به صلعم. قال جابر: لمَّا أقبل سعد بن أبي وقَّاص، قال صلعم: «هذا خالي فليرني امرؤ خاله»(11) . قال ابن الأثير(12) : وإنَّما قال ذلك؛ لأنَّ سعداً زهريٌّ، وأمُّ النَّبيِّ صلعم زُهْرِيَّةٌ، وهو ابن عمَّتها يجتمعان في عبد مناف، وأهل الأمِّ أخوال.
          عن محمَّد بن إسحاق، قال: كان أصحاب رسول الله صلعم إذا صلُّوا ذهبوا إلى الشِّعاب، فاسْتَخْفَوا بصلاتهم من قومهم، فبينا سعدٌ في نفر من الصَّحابة، في شِعْبٍ من شِعَابِ مكَّة، إذ ظهر عليهم نفر من المشركين، فناكروهم، وعابوا عليهم دينهم؛ حتَّى قاتلوهم فاقتتلوا، فضرب سعد رجلاً من المشركين بِلَحْيِ جمل فشجَّه، وكان أوَّل دم أهريق في الإسلام، واستعمل عمر سعداً على الجيوش الذين سيَّرهم لقتال الفرس بالقادسيَّة وبجَلُولاء، فهزمهم، وهو الذي فتح المدائن، مدائن كسرى بالعراق، وهو الذي بنى الكوفة، وولي العراق، وكان في شهامة عظيمة، وخشية(13) زائدة، وهو فارس الإسلام.
          قيل: إنَّه ضاق به دار الإمارة، وكان بجواره ذميٌّ، فقال: ليت جارنا الذِّميُّ باعنا داره حتَّى تسعنا(14) . فكلَّم الذِّميَّ بعضُ من سمع، فأبى الذِّميُّ، فقيل له: إن لم تفعل، وإلَّا يؤخذ منك غصباً، فقال الذِّميُّ: هل عليَّ غير الجزية؟ وقد أمرتم بكفِّ الأذى عنَّا. فشاور زوجته، فخافا وارتعبا، وكرها الخروج من الدَّار المألوفة، فقالت [له] : ائت من ولاَّه _تعني عمر_ وأعلمْه بذلك ليردَّه. فأتى المدينة، فسأل عن قصر الإمارة، فلم يجد إلَّا بيتاً لاطِيَاً بالأرض، وسأل عن أمير المؤمنين، فقيل: خرج ههنا. يعني ظاهر المدينة، فاتَّبعه الذِّميُّ، وإذا بعمر نائم على الرَّمل تحت رأسه الدِّرَّة، والعَرَقُ يسيل منه، ولم يك يعرفه، فسأله عن عمر، فقال: ماذا تريد؟ قال: حاجة أريد أشافهه بها. قال: قل، فقد وصلت. فلمَّا رأى حاله ندم؛ لأنَّه رآه(15) ضعيفاً ظاهراً، رثَّ الحال، وسعدٌ في كَبْكَبَةٍ عظيمة، وكانت تصلح [له] ؛ فإنَّه كان في ثغر المسلمين، فأخبره الخبر، فلم يجد عمر قرطاساً يكتب عليه، فكتب [على كتفٍ] : ╖، ومضمونه: أنْ يا سعد، اعدل، وإلَّا الحق بنا. فلمَّا رجع الذِّميُّ، خاف أن يدخل نهاراً، فدخل ليلاً خائفاً يترقَّب، فأخبر زوجته، وكانت عاقلة / نبيلة، فقالت له: لا تخف، اعرض عليه كتابه، فإن قَبِلَ، وإلَّا أخذ الدَّار. فلمَّا أصبح وقف له الذِّميُّ، فلمَّا رأى سعدٌ خطَّ أمير المؤمنين، صاح به ويحك، من ألجأك إلى الشُّخوص إلى أمير المؤمنين؟ اسكنْ أنت في أمان، وأنا(16) أرتحل عنك. فرجع الذِّميُّ، فأخبر أهله، فقالت: أيَّها الرَّجل! لو لم يكن دينهم حقّاً لم يكن يتبع ويطيع هذا القويُّ الذي تراه ذلك الضعيفَ الذي تصفه، فلنؤمن نَفُزْ. فأسلما.
          قال ابن الأثير(17) : لمَّا عزل عمر سعداً عن العراق، وحضره الوفاة، جعله أحد أصحاب الشُّورى، وقال: إن رضي سعد بالإمارة فذاك، وإلَّا فأوصي الخليفة بعدي أن يستعمله، فإنِّي لم أعزله من عجز ولا خيانة. فولَّاه عثمان الكوفة، ثمَّ عزله، واستعمل الوليدَ بن عُقبة بن أبي مُعَيْط، ولمَّا قُتل عثمان اعتزل الفتنة، ولم يكن مع أحد من الطَّوائف المتحاربة، بل لزم بيته، وأراد ابنه عمر، وابن أخيه هاشم بن عتبة بن أبي وقَّاص أن يدعو إلى نفسه، بعد قتل عثمان، فلم يفعل، وطلب السَّلامة، فلمَّا اعتزل طمع فيه معاوية، وفي عبد الله بن عمر، وفي محمَّد بن مَسْلَمَة، فكتب إليهم يدعوهم إلى أن يُعِيْنوه إلى الطَّلب بدم عثمان، فأجابوه بردِّ ما طلب.
          روت بنته عائشة عنه أنَّه قال في سبب إسلامه: إنِّي رأيت في المنام قبل أن أسلم كأنِّي في ظلمة لا أبصر شيئاً؛ إذْ أضاء لي قمر، فاتَّبعته، فكأنِّي أنظر إلى من سبقني إلى ذلك القمر، فأنظر إلى زيد بن حارثة، وإلى عليِّ بن أبي طالب، وإلى أبي بكر، وكأنِّي أسائلهم: متى انتهيتم إلى ههنا؟ قالوا: السَّاعة. وبلغني أنَّ رسول الله صلعم يدعو إلى الإسلام مستخفياً، فلقيته في شِعْب أَجْيَاد، قد صلَّى العصر، فأسلمت، فما تقدَّمني أحد غيرهم(18) .
          وروي أنَّ سعداً قال: نزلت هذه الآية فيَّ: { وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } [لقمان:15] قال: كنت رجلاً برّاً بأمِّي، فلمَّا أسلمتُ قالت أمِّي: أي سعد! ما هذا الدِّين الذي أحدثت؟ لتدعنَّ دينك هذا أو لا آكل ولا أشرب حتَّى أموت، فتُعيَّر بي، فقال: لا تفعلي يا أُمَّه! فإنِّي لا أدع ديني. قال: فمكثتْ يوماً وليلة لا تأكل ولا تشرب، فأصبحت وقد جهدت، فقلت: والله لو كانت لك ألف نفس، فخرجت واحدة بعد واحدة(19) ما تركت ديني هذا (بشيء). فلمَّا رأت ذلك أكلتْ وشربتْ، فأنزل الله تعالى الآية، وفي رواية مُصْعَب بن سعد أنَّها قالت له: زعمت أنَّ الله وصَّاك بوالديك، فأنا أمُّك، / وأنا آمرك أن ترجع عمَّا أنت فيه. قال: فمكثت ثلاثاً لا تأكل ولا تشرب؛ حتَّى غشي عليها من الجهد، فقام ابن لها، يقال له: عمارة، فسقاها، فجعلت تدعو على سعد، فأنزل الله تعالى الآية. قال (أبو) المِنْهَال: سأل عمر بن الخطاب عَمْرَو بنَ مَعْدِيْ كَرِب عن خبر سعد، فقال: متواضع في جبايته(20) ، عربيٌّ في نمرته، أسدٌ(21) في تامورِه، يعدل في القضيَّة، ويقسم بالسَّوِيَّة، ويبعد بالسَّريَّة، ويعطف علينا كالأمِّ البَرَّة، وينقل إلينا حقَّنا نقلَ الذَّرَّة.
          عن عامر بن سعد بن أبي وقَّاص، قال: قلت لأبي: إنِّي أراك تصنع بهذا الحيِّ من الأنصار شيئاً ما تصنعه بغيرهم. فقال: أي بنيَّ! هل تجد في نفسك من ذلك شيئاً؟ قلت(22) : لا، ولكنِّي أعجب من صنيعك. قال: إنِّي سمعت رسول الله صلعم يقول: «لا يحبُّهم إلَّا مؤمن، ولا يبغضهم إلَّا (كافر) منافق»(23) . وقال ابنه عامر: كان سعد آخر المهاجرين موتاً، ولمَّا حضرته الوفاة، دعا بخَلَق، جُبَّة (له) من صوف، فقال: كفنوني فيها، فإنِّي كنت لقيت المشركين يوم بدر وهي عليَّ، وإنَّما كنت أَخْبَأتها(24) لهذا.
          مسألة:
          قلت(25) : فهذا، وسيأتي في قصَّة سَهْلٍ ومُعاويةَ مثله، ممَّا يدلُّ على استحباب ادِّخار الكفن إذا كان من أثر الصَّالحين، أو من حلال لا شبهة فيه، وأمثال ذلك من المقاصد الصَّحيحة، كما قاله النَّووي(26) ، وإن أنكر ذلك الصَّيْمَرِيُّ وغيره من الفقهاء محتجّاً بأنَّه يُحاسب [عليه] ، وهذا دليل واه، فإنَّ مال المرء كلَّه يحاسب عليه، فتأمَّل.
          قال الكِرمانيُّ(27) : روى سعد مئتي حديث وسبعين حديثاً. ذكر البخاريُّ منها عشرين (حديثاً).
          قال أبو نصر(28) : روى عنه جابر بن سَمُرة، وابن عمر، وعَمْرو بن مَيْمُون، وبنوه: محمَّد، وعامر، ومصعب، وإبراهيم.
          نقل عنه البخاري في مواضع أوَّلها: في باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة، من كتاب الإيمان [خ¦27] .
          قال ابن الأثير(29) : روى عنه خارج الصَّحيح ابنُ عباس، والسَّائب بن يزيد، وعائشة بنته(30) ، وابن المسيَّب، وأبو عثمان النَّهْديُّ، وإبراهيم بن عبد الرَّحمن، وقيس بن أبي حازم، وكان سعدٌ آدمَ طويلاً أفطسَ، وقيل: قصيراً دَحْدَاحَاً غليظاً ذا هامة، شَثْنَ الأصابع. قاله ابن الأثير نقلاً عن بنته عائشة.
          و [أيضاً] ذكرنا أنَّه أوَّل من رمى سهماً في سبيل الله، وذلك في سريَّة عُبيدة بن الحارث، وكان معه يومئذ المِقْدادُ بنُ عَمْرو، وفي ذلك يقول سعد _من البحر الوافر، ولا (تهمز «جاء»_:
ألاهل) جَاْ رسولَ الله أنِّي                     حَمَيْتُ صَحَابَتِي عَزْماً بنَبْلِي
أَذُوْدُ بها(31) عدوَّهُمُ دِبَاراً                     بكلِّ حُزونة وبكلِّ سَهْلِ
فما يعتدُّ رامٍ من مَعَدٍّ                     بسهمٍ من رسولِ الله قَبْلِي
          والبخاريُّ روى(32) عن سعد / أنَّه قال: ما أسلم أحد في(33) اليوم الذي أسلمت فيه، ولقد مكثت سبعة أيَّام، وإنِّي لثلث(34) الإسلام. قال: وكان رجل من المشركين قد أحرق المسلمين يوم أحد، فقال لي النَّبيُّ صلعم: «ارم فداك أبي وأمِّي». قال: فنزعت له السَّهم(35) ليس فيه نصل، فأصبت جبينه(36) ، فسقط، فانكشف عورته، فضحك رسول الله صلعم حتَّى رأيت نواجذه. قال: وأصاب رسول الله صلعم غنيمة عظيمة، وذلك يوم بدر، وقتل أخي عُمير، وقتلتُ سعيد بن العاصي بن أميَّة، وأخذت سيفه، وكان يُسمَّى ذا الكَتِيْفة، فأعجبني، فجئت به إلى رسول الله صلعم، فقلت: يا رسول الله! إنَّ الله قد شفى صدري من المشركين، وأنا مَنْ قد علمت، فهب لي هذا السَّيف، فقال: «ليس هذا لك، ولا لي، فاذهب فاطرحه في القَبَض».(37) فطرحته ورجعت، وبي ما لا يعلمه إلَّا الله مِنْ قتل أخي، وأخذِ سلاحي، وقلت: عسى الله أن يعطيَ(38) هذا السَّيف من لم يُبْلِ ببلائي، فجاوزت يسيراً، فجاءني الرَّسول، وقد أنزل الله تعالى { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ } الآية [الأنفال:1] فخفت أن يكون نزل فيَّ شيء. فلمَّا(39) انتهيت إلى رسول الله صلعم قال: «يا سعد! سألتني هذا السَّيف، وليس لي، وإنَّه قد صار لي، فاذهب فخذه(40) ، فإنَّه لك».
          وعن سعد (أنَّه) قال: كنَّا مع النَّبيِّ صلعم ستَّة نفر، فقال المشركون: اطْرد هؤلاء لا يجترئوا(41) علينا. قال: وهم أنا، وابن مسعود، وبلال(42) ، ورجل من هُذيل، ورجلان لست أسمِّيهما، فوقع في نفس رسول الله صلعم ما شاء الله أن يقع، فحدَّث نفسه، فأنزل الله تعالى { وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم } [الأنعام:52](43) .
          وعن عائشة قالت: سهر رسول الله صلعم مقدمه(44) المدينة ليلة، فقال: «ليت رجلاً صالحاً من أصحابي يحرسني اللَّيلة». قالت: فبينا نحن كذلك، سمعنا خشخشة سلاح، فقال: من هذا؟ فقال: سعد بن أبي وقَّاص. فقال صلعم: ما جاء بك؟ قال: وقع في نفسي خوف على رسول الله صلعم، فجئت أحرسه. فدعا له صلعم ثمَّ نام حتَّى سمعت خَطِيْطَة(45) ، وكان إذا نام خَطَّ.
          ومرَّ جرير بن عبد الله بعمر، فسأله عن سعد، كيف تركه في ولايته؟ فقال: تركته أكرم النَّاس مقدرة، وأقلَّهم فترة، وهو بهم(46) كالأمِّ البرَّة، يجمع لهم ما تجمع الذَّرَّة، إنَّه ميمون الطَّائر، مرزوق الظَّفر، أشدَّ النَّاس / عند الباس، وأحبَّ قريش إلى النَّاس. قال: فأخبرني عن النَّاس. قال: هم كسهام الجَعْبَة، منها القائم الرَّائش، ومنها العصل الطَّائش(47) ، وابن أبي وقَّاص ثقافها، يغمز عصلها، ويقيم ميلها، والله أعلم بالسَّرائر يا عمر.
          وقيل لسعد: ألا تقاتل؟ فإنَّك من أهل الشُّورى، وأنت أحقُّ بهذا الأمر. فقال: لا أقاتل حتَّى تأتوني بسيف له عينان ولسان وشفتان، يعرف المؤمن من الكافر، فقد جاهدت، وأنا أعرف الجهاد. وفي رواية أنَّه قال: أبالفتنة(48) تأمرني أن أكون رأساً؟ لا والله حتَّى أُعطى سيفاً، إن ضربت مؤمناً نَبَا عنه، وإن ضربت كافراً (ما) نَبَا، إنِّي سمعت رسول الله صلعم يقول: «إنَّ الله يحبُّ الغنيَّ التَّقيَّ الخفيَّ».(49)
          وبكى عليه ابنه مُصعب عند وفاته، فقال: ما يبكيك يا بنيَّ؟ إنِّي أقسم على ربِّي أن لا يعذِّبني.
          [وفي كتاب حياة الحيوان للدَّميريِّ(50) : في مادة عثمان بن عفَّان، قال: كان سعد بن أبي وقَّاص بين يديه لحم، فجاءت حدأة فأخذته، فدعا عليها سعد، فاعترض عظم في حلقها، ووقعت ميتة] .
          توفِّي سنة إحدى، أو خمس، أو ستٍّ، أو سبع، أو ثمان وخمسين، عن أربع وسبعين، أو سبع وثمانين، أو بضع وتسعين سنة، وهو آخر العشرة المبشَّرة (بالجنَّة) موتاً، توفِّي بالعقيق على سبعة أميال من المدينة، فحمل على أعناق الرِّجال إلى المدينة، فأدخل المسجد، فصلَّى عليه مروان، وأزواج النَّبيِّ صلعم.


[1] في (ن) تصحيفاً: (سنان). وأقحم المصنف في نسب حمنة فجعلها: (حمنة بنت النضر بن أمية بن سفيان) والصحيح ما أثبته.
[2] شرح البخاري:1/128.
[3] برقم (3726 و3727)، وفي (ه): (ثالث الإسلام).
[4] البخاري (2905).
[5] الحديث في البخاري برقم (3728).
[6] في غير (ن): (عليه).
[7] في غير (ن): (بالفتن).
[8] أخرجه البخاري برقم (755).
[9] أخرجه أحمد في فضائل الصحابة: (1308)، وابن عساكر في تاريخ دمشق:20/344.
[10] 3/440.
[11] الترمذي (3752).
[12] أسد الغابة:2/453.
[13] في غير (ن): (وحشمة).
[14] في (ن) تصحيفاً: (اتسعنا).
[15] في غير (ن): (رأى).
[16] في غير (ن): (وإلا).
[17] أسد الغابة:2/454.
[18] في غير (ن): (إلا هم).
[19] في غير (ن): (فخرجت نفساً نفساً).
[20] في غير (ن): (خبائه).
[21] في (ن) تصحيفاً: (أسعد).
[22] في غير (ن): (قال).
[23] أسد الغابة:2/452.
[24] في غير (ن): (أخبؤها).
[25] في (ن): (قلت مسألة).
[26] في (ن) تصحيفاً: (الثوري) وانظر قوله في روضة الطالبين:1/184.
[27] شرح البخاري:1/128، وما بعدها.
[28] رجال البخاري:1/301.
[29] أسد الغابة:2/456.
[30] في (ن): (وعائشة وبنته عائشة).
[31] في غير (ن): (بهم).
[32] في غير (ن): (وروى البخاري).
[33] في (ن): (إلا في) وهو خطأ.
[34] في غير (ن): (لثالث).
[35] في غير (ن): (بسهم).
[36] في (ن) تصحيفاً: (جنبه).
[37] والشعر السابق مع أخبار سعد ☺ في طبقات ابن سعد 3/142، على خلف في رواية الأبيات، والقبض: محركة بمعنى المقبوض، وهو ما جمع من الغنيمة قبل أن تقسم، وجاء في كتاب الأموال لأبي عبيد 1/283.: لما كان يوم بدر قتلت سعيد بن العاص، وقال غيره: العاص بن سعيد ، قال أبو عبيد: هذا عندنا هو المحفوظ.
[38] في غير (ن): (يعطيني).
[39] في غير (ن): (فقال فانتهيت).
[40] في (ن): (فخذ).
[41] في غير (ن): (يجترئون).
[42] في (ن) تصحيفاً: (وهلال).
[43] النسائي في الكبرى (6723).
[44] في (ن): (مقدم) والمثبت من مسلم (2410) وأخرجه البخاري أيضاً (2885).
[45] الخطيط: قريب من الغطيط: وهو صوت النائم، والخاء والغين متقاربتان (النهاية)، والحديث متفق عليه كما سبق.
[46] في غير (ن): (لهم).
[47] القائم الرائش: هو المستقيم ذو الريش، والعصل من السهام: المعوج، الزال عن الهدف، غريب الحديث للخطابي:2/86. وجاء في (ن): (النصل).
[48] في (ن) تصحيفاً: (أبي لفتنة).
[49] مسلم (2965).
[50] النقل مجتزأ فوقع خلل في النص، وأصله عند الدميري: (وفي كتاب المجالسة للدينوري في الجزء الثالث عن عثمان...) وانظر المجالسة وجواهر العلم للدينوري:2/229، وحياة الحيوان الكبرى:1/327.