غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام

سلمة بن الأكوع

          492 # سَلَمَةُ بنُ الأَكْوَعِ، بفتحات(1) ، هو ابن عَمْرو بن الأكوع، أبو مُسْلِم، الأَسْلَمِيُّ، المدنيُّ، الصَّحابيُّ.
          سكن الرَّبَذَةَ، ويكنَّى أبا عامر أيضاً، وأبا إياس، وهذا الأخير أشهر، كنِّي بابنه إياس، وكان ممَّن بايع تحت الشَّجرة مرَّتين على الموت، [وقيل: بايعناه على ألا نفرَّ.(2) والمعنى واحد؛ فإنَّ البيعة إذا كانت على ألَّا يفرَّ فهي على الموت،] أو أنَّه(3) صلعم بايع كلَّ واحد(4) على قدر ما يعلم عنده من الشَّجاعة، قاله ابن الأثير(5) .
          وقال الكرمانيُّ(6) : بايع يومئذ سَلَمَة ثلاث مرات، أوَّل النَّاس، وأوسطهم، وآخرهم.
          وكان بطلاً شجاعاً رامياً محسناً خَيِّراً فاضلاً، وقال له صلعم: «خير رجالنا سلمة بن الأكوع».(7) قاله في غزوة ذي قَرَد، لمَّا استنقذ لقاح رسول الله صلعم، وقد مرَّت القصَّة في ترجمة الحارث بن رِبْعِيٍّ.
          قيل: إنَّه كان يسبق الخيل ركضاً _وهو جارٍ على القدم_ في جريه وسعيه.
          قيل: هو الذي كلمَّه(8) الذئب. وغزا سبع غزوات مع رسول الله صلعم.
          قال ابنه إياس: ما كذب أبي قطُّ، ولمَّا قتل عثمان خرج إلى الرَّبَذَةِ، وتزوَّج هناك، وولد له أولاد، ولم يزل بها حتَّى كان قبل الموت بليال عاد إلى المدينة.
          قال: قال رسول الله صلعم: «لا يقولُ أحد باطلاً لم أقلْه إلَّا تبوَّأ مقعده من النَّار».(9) وكان يصفِّر رأسه ولحيته.
          روى عنه: ابنه إياس، ومولاه يزيد بن أبي عُبيد، والحسن بن محمد بن الحنفيَّة.
          وروى عنه البخاريُّ بالواسطة في مواضع، أوَّلها: في باب إثم من كذب على النَّبيِّ صلعم من كتاب العلم [خ¦109] .
          روى سبعة وسبعين حديثاً، خرَّج البخاريُّ منها أحداً وعشرين حديثاً.
          قال الكرمانيُّ(10) : قال سلمة: رأيت الذِّئب قد أخذ الظَّبي، فطلبته(11) حتَّى نزعته منه، فقال: ويحك، مالي ومالك؟! عمدت إلى رزق رزقنيه الله ليس من مالك فنزعته منِّي. قال: قلت: يا عباد الله، إنَّ هذا لعجب، ذئب يتكلم! فقال الذِّئب: أعجب منه أنَّ رسول الله صلعم / في أصول النَّخل يدعوكم إلى عبادة الله، وتأبون إلَّا عبادة الأوثان. قال: فلحقت (برسول الله صلعم فأسلمت(12) .
          وفي صحيح مسلم: قال سلمة: غزونا مع) رسول الله صلعم هوازن، فبينما(13) نحن نتضحَّى؛ إذ جاء رجل على جمل أحمر فأناخه، ثمَّ انتزع(14) طلقاً من حقبة، فقيَّد به الجمل، [فاتَّبعه رجل على خلفة،] ثمَّ تقدَّم يتغدَّى مع القوم، وجعل ينظر، وفينا ضعفة ورقَّة في الظَّهْر، وبعضنا مشاة؛ إذ خرج يشتدُّ، فأتى جملة، فأطلق قيده وركبه، فاشتدَّ به الجمل، فاتَّبعه رجل على ناقة ورقاء، وخرجت أشتدُّ، وكنت عند ورك الجمل، فتقدَّمت وأخذت بخطام الجمل، فأنخته واخترطت سيفي، فضربت رأس الرَّجل، فندر، ثمَّ جئت بالجمل أقوده، وعليه سلاحه ورحله، فقال رسول الله: «من قتل الرَّجل»؟ قالوا: ابن الأكوع، قال: «له سلبه أجمع».
          وقال سلمة: غزونا فزارة، وعلينا أبو بكر، فلمَّا كان بيننا وبين الماء ساعة أمرنا أبو بكر فعرَّسنا، ثمَّ شنَّ الغارة، فورد الماء، فقتل من قتل عليه وسَبَى، فنظرت إلى عنق من النَّاس، فخشيت أن يسبقوني إلى الجبل، فرميت بسهم بينهم وبين الجبل، فوقفوا، فجئت بهم أسوقهم، وفيهم امرأة من العرب، معها ابنة لها من أحسن العرب، فسُقْتهم حتَّى أتيت بهم أبا بكر، فَنَفَّلَني ابنتها، فقدمنا المدينة، وما كشفت لها ثوباً، (فلقيني رسول الله صلعم في السُّوق، فقال: «هب لي المرأة». فقلت: لقد أعجبتني، وما كشفت لها ثوباً). ثمَّ لقيني من الغد، فقالك «هب لي المرأة لله (أبوك)». فقلت: هي لك. فبعث بها إلى أهل مكَّة، ففدى بها أناساً من المسلمين كانوا أسرى.
          قال الهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ: مات سلمة آخر خلافة معاوية. وقال: غيره مات سنة أربع وسبعين، عن ثمانين سنة.


[1] في (س): (بفتحتان) وهو تصحيف شنيع.
[2] في (ن) تصحيفاً: (يفروا).
[3] في (ن): (وأنه) والمثبت موافق لأسد الغابة.
[4] في غير (ن): (أحد).
[5] أسد الغابة 2/517.
[6] شرح البخاري:2/115.
[7] أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده:2/303.
[8] في (ن) تصحيفاً: (حكمه).
[9] الحديث في البخاري بلفظ قريب (109).
[10] شرح البخاري:2/115.
[11] في (ن): (فطالبته).
[12] سقط من النسخ كلها سوى (د) قوله: وفي صحيح مسلم... إلى قوله: كانوا أسرى، فأثبته، وهما حديثان في صحيح مسلم الأول برقم (1754) والثاني برقم (1755)، ومعنى نتضحى أي نتغدى، والطلق: العقال.
[13] في (ن) تصحيفاً: (هو فينا) بدل (هوتز فبينا).
[14] في (ن) تصحيفاً: (أنزع).