التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

باب: من بلغ ستين سنةً فقد أعذر الله إليه في العمر

          ░5▒ (بَابُ مَنْ بَلَغَ سِتِّينَ سَنَةً، فَقَدْ أَعْذَرَ اللهُ إِلَيْهِ فِي العُمُرِ)
          أي أزالَ اللهُ عُذره فلا ينبغي له حينئذٍ إلَّا الاسْتعداد بالاسْتغفار والطَّاعة والإقبال إلى الآخرة بالكُلِيَّة، فلا يكونُ لهُ بعدَ ذلكَ على اللهِ حجةٌ، فالهمزة للسَّلب، وقيل: معناه أقامَ اللهُ عذره في تطويل عُمُرِه وتمكينه مِن الطاعة مدَّة مديدة.
          قوله: (لِقَولِهِ تَعَالَى: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ}) [فاطر:37] يعني الشَّيْب، هذا قول ابن عباس، والأكثرون أنَّ النذير هو الرَّسول صلعم وهو قولُ عليٍّ وجماعة، وفيه قول ثالث: أنَّه الموت إذا رآهُ يَنزِلُ بغيرهِ.
          واعلمْ أنَّ الْأَسْنَان أَرْبَعَة: سِنُّ الصِّبا وَهو الذي يكون فيه دائمَ (1) النُّمُو وهو إلى خمسة عشر سنة، وسِنُّ الشباب وهو الذي يتكاملُ فيه النمو ومُبتدأ الوقوف كأنَّ القوةَ وَقَفَت فيه، ومُنتهَاهُ في غالبِ الأحوالِ خمس وثلاثون سنة وقد بلغ أربعين، ثُمَّ مِنها يَأخُذ في النَّقصِ قال الشَّاعر:
كأنَّ الفتى يرقى مِنَ العُمرِ سُلَّمًا                     إلى أنْ يَجوزَ الأربعينَ ويَنحَط
          وسِنُّ الكُهولةِ الَّتي قد تَبَيَّنَ فيها الانْحِطاطُ والنَّقصُ مع بقاءِ شيءٍ مِن القُوَّة ومُنتَهَاهُ في أكثرِ الأحوالِ سِتُّونَ سنة، فمن بَلَغَهَا انتهى وأثَّرَ فيهِ ضَعفُ القُوَّة وجاءته ناذِرَةُ الموت، ومِن ذلك الزَّمان يَزيدُ انحطاطهُ وَيَقوَى ظُهورُ الضَّعفِ إلى آخر العمر.
          قال يحيى بن يَمَان: سَمعت سُفْيَان بن سعيد يقول: مَن بلغَ سِنَّ رسولِ اللهِ صلعم فَليَرتَد لِنَفسِهِ كَفَنًا، وعن عليٍّ وابن عباس وأبي هريرة في قوله تعالى: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ}[فاطر:37] قال: يعني ستين سنة. وعن ابن عباس أيضًا: أربعون، وعن الحسن البصري ومَسْرُوق مِثلَه. وحديث أبي هريرة في الباب حجَّة لقول عليٍّ ☺ ومَن وافقه في تأويل الآية.
          ولمن قال هو أربعين سنة وجهٌ صحيح وحُجَّتُهُ قوله: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً}[الأحقاف:15]. فذَكَر تعالى أنَّ مَن بلغَ الأربعين فقد آنَ لهُ أن يعلمَ نِعَمَ اللهِ عليهِ وعلى والِدَيه وأنْ يشكُرَه، وحُجَّةُ مَن قال: إنَّ النَّذير الشَّيب أنَّهُ يأتي في سنِّ الاكتِهَال.


[1] في الأصل:((دائماً)).