التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

باب في الأمل وطوله

          ░4▒ (بَابٌ فِي الأمَلِ وطولِهِ وَقَولِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}[آل عمران:185]).
          والمناسب للترجمة مِن الآية صدرُهَا، وهو قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}[آل عمران:185] أو آخرُها وهو قوله تعالى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}[آل عمران:185] أو أنَّه ذَكَرَها لمناسبة قوله تعالى: {وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ} إذ فيها: {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ}[البقرة:96].
          قوله: (وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: ارْتَحَلَتِ الدُّنْيَا مُدْبِرَةً، وَارْتَحَلَتِ الآخِرَةُ مُقْبِلَةً، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الآخِرَةِ، وَلا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا..) إلى آخِرِهِ. هذا الأثر أخرجه ابن المبارك في «رقائقِه»، رواه نُعيم بن حمَّاد عن سلمان بن المغيرة عن ثابت عن مُطرِّف بن عبد الله عنه عن كتاب أبي اللَّيث السَّمرقندي قال ◙ : ((صَلَاحُ أَوَّلِ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِالزُّهْدِ وَالْيَقِينِ، وَيَهْلَكُ آخِرُهَا بِالْبُخْلِ وَالْأَمَلِ)) ثمَّ قال: مَنْ قصُرَ أملُهُ أكرمَهُ اللهُ بأربَعِ كرامات:
          إحداها: أنَّهُ يُقَوِّيهِ على طاعته؛ لأنَّهُ إذا عَلِمَ أنهُ يموتُ عن قريبٍ لا يَهتَمُّ بِما يستقبِلُهُ مِن المكروه ويَجتهدَ في الطَّاعة؛ فيَكثُر عمَلُهُ.
          ثانيها: تَقِلُّ هُمُومُهُ لأنَّهُ إذا علِمَ أنَّهُ يموت عَن قريبٍ فإنَّه لا يهتمُّ بما يستقبله.
          ثالثها: يجعله راضيًا بالقليل. رابعها: يُنَوِّرُ قَلبَهُ.
          فينبغي للمسلم أن يَقصُرَ أملُهُ فإنَّهُ لا يدري في أي نَفَسٍ يموت، أو في أيِّ قدم يموت، وينبغي أنْ يُكثِرَ مِن ذِكرِ الموت، ففي الحديث: ((أكثِروا مِن ذِكرِ هادِمِ اللَّذات)) فإنَّهُ ما ذُكِرَ في قليلٍ إِلَّا كَثَّره ولا في كَثيرٍ إلَّا قَلَّله.
          قوله: (فَإِنَّ اليَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَاب) فإن قلتَ: اليوم ليس عملًا بل فيه العمل، ولا يمكن تقدير (في) وإلَّا وَجَبَ نصبُ / (عَمَلٌ)؟ قلتُ: جعله نفسَ العمل مبالغةً كقولِهم: أبو حنيفة فقيه.
          (وَلَا حِسَاب) بالفتح أي لا حساب منه، وبالرَّفع أي ليس في اليوم حساب، ومثله شاذ عند النُّحاة، وهذا حجةٌ عليهِم.