التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

حديث: نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس

          6412- وافتتح البخاري هذا الكتاب بحديث: (نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِن النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ) وكأنَّه اقتدى بعبد الله بن المبارك فإنَّه قد بدأ به في كتابه في الرَّقائق.
          قوله صلعم : (نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِن النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ) مغبونٌ خبر، وكثير هو المبتدأ، وهو مشتقٌّ إمَّا مِن الغبْن _بإسكان الباء_ وهو النَّقص في البيع، وإمَّا مِن الغبَن _بفتحها_ وهو النَّقص في الرَّأي، فكأنَّه قال: هذان الأمران إذا لم يُستعملا فيما ينبغي فقد غُبن صاحبهما فيهما، أي باعهما ببخسٍ لا يُحمد عاقبته، أو ليس له في ذلك رأي البتَّة؛ فإنَّ الإنسان إذا لم يعمل الطَّاعة في زمن الصِّحة، ففي زمن المرض بالطَّريق الأَولى، وعلى ذلك حكم الفراغ أيضًا فيبقى بلا عمل خاسرًا مغبونًا، هذا وقد يكون الإنْسان صحيحًا ولا يكون متفرِّغًا للعبادة لاشتغاله بأسباب المعاش، وبالعكس فإذا اجتمعا للعبد وقصَّر في نيل الفَضائل فذلك هو الغُبن له كلَّ الغُبن، وكيف لا والدُّنيا هي سوق الأرباح؟!.
          وفي الحديث الآخر ((وخذ مِن صحتك لسقمك ومِن فراغك لشغلك)) فإذا لم ينظر لنفسه في هذين فكأنَّه غُبن فيهما، فإنَّ الإنسان إذا لم يعمل الطَّاعات في زمان صحَّته وشبابه وفراغه كان أجدر أن لا يعمل شيئًا مِن ذلك في زمن شيخوخته وشغله وسقمه.
          قال ابن بطَّال: وفيه تنبيهٌ على عظيم نعمة الله على عباده في الصِّحَّة والكفاية لأنَّ المرء لا يكون فارغًا حتَّى يكون مكفيًا مؤنة العيش، فمَن أنعم الله عليه بهما فليحذر أن يغبنهما ويعلم أنَّه خلقه مِن غير ضرورة وبدأه بالنِّعم الجليلة كالصِّحَّة ونحوها مِن غير استحقاق منه لها، و ضمن رزقه ووعده / بِجزاء حسناتِهِ أضعافًا مضاعفةً، وأمرهُ أن يعبدَه شكرًا عليها وتحصيلًا لجزاء أعمالِه، فمَن لم يفعل فقد غُبِنَ أيامه ويندمُ حيث لا ينفعُه النَّدم.
          قوله: (قَالَ العبَّاسُ العَنبَرِيُّ) _بعين مهملة وباء موحَّدة مشدَّدة وسين مهملة_ هو ابن عبد العظيم.
          قوله: (حَدَّثنا صَفْوانُ بنُ عِيْسَى) أي الزُّهرِي، مات سنة ثمان وتسعين ومائة.