التلويح شرح الجامع الصحيح

باب بيع العبيد والحيوان بالحيوان نسيئةً

          ░108▒ (بَابُ بَيْعِ العَبِيدِ وَالحَيَوَانِ بِالحَيَوَانِ نَسِيئَةً)
          (وَاشْتَرَى ابنُ عُمَرَ رَاحِلَةً بِأَرْبَعَةِ أَبْعِرَةٍ مَضْمُونَةٍ عَلَيْهِ، يُوفِيهَا صَاحِبَهَا بِالرَّبَذَةِ).
          هذا التعليق رواه مالك في «الموطأ» فيما رويناه عنه عن نافع أنَّ ابنَ عمرَ اشْتَرَى رَاحِلَةً بِأرْبَعَةِ أبْعِرَةٍ مَضْمُونَةٍ عَلَيْهِ يُوفِيهَا صاحِبَهَا بالرَّبَذَةِ.
          قَالَ البُخَارِيُّ: (وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: قَدْ يَكُونُ البَعِيرُ خَيْرًا / مِنَ البَعِيرَيْنِ).
          هذا التعليق رويناه في «مسند الشافعي» قال: أخبرنا ابن عيينة عن ابن طاوس، عن أبيه عن ابن عباس: أنه سئل عن بعير ببعيرين فقال: قد يكون [البعير] خيرًا من البعيرين.
          قَالَ البُخَارِيُّ: (وَاشْتَرَى رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ بَعِيرًا بِبَعِيرَيْنِ فَأَعْطَاهُ أَحَدَهُمَا، وَقَالَ: آتِيكَ في الآخَرِ غَدًا رَهْوًا إِنْ شَاءَ اللهُ تعالى).
          هذا التعليق ذكره عبد الرزاق في «مصنفه» فقال: أخبرنَا مَعْمَرٌ عَن بُدَيْلٍ العُقَيْلِيِّ عَن مُطَرِّفِ بن عبد الله بن الشِّخِّيْرِ أَن رَافع بن خديج فذكره.
          قَالَ البُخَارِيُّ: (وَقَالَ ابنُ المُسَيِّبِ: لَا رِبَا فِي الحَيَوَانِ: البَعِيرُ بِالبَعِيرَيْنِ، وَالشَّاةُ بِالشَّاتَيْنِ إِلَى أَجَلٍ.
          هذا التعليق رواه الشافعي عن مالك عن ابن شهاب عن ابن المسيب أنه قال: «لَا رِبَا فِي الحَيَوَانِ، [وإنما] نَهَى [من الحيوان] عَنِ المَضَامِينِ وَالمَلاقِيحِ، وَحَبَلِ الحَبَلَةِ» وذكره عبد الرزاق في «مصنفه»: أخبرنا معمر، عن الزهري، سئل سعيد، فذكره.
          قَالَ البُخَارِيُّ: (وَقَالَ ابنُ سِيرِينَ: لَا بَأْسَ بَعِيرٌ بِبَعِيرَيْنِ، وَدِرْهَم بِدِرْهَمينِ نَسِيئَةً).
          هذا التعليق رواه عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، عن أيوب، عن ابن سيرين قال: لَا بَأْسَ بَعِيرٌ بِبَعِيرَيْنِ، وَدِرْهَم بِدِرْهَمينِ نَسِيئَةً، قال: فإن كان [أحد البعيرين] نسيئةً فهو مكروه.
          وقَالَ ابنُ بَطَّالٍ: وأما قول ابن سيرين الذي ذكره البخاري فهو خطأ في النقل عنه، والصحيح ما ذكره عبد الرزاق.
          قال: (وأَمَّا بيعُ الحيوانِ بالحيوانِ نسيئةً) فإن العلماء اختلفوا فيه، فقالت طائفة: لا ربا في الحيوان، وجائز [بيع] بعضه ببعض نقدًا ونسيئة اختلف أو لم يختلف، هذا مذهب علي بن أبي طالب وابن عمر وابن المسيب، وهو قول الشافعي وأبي ثور، وقال مالك: لا بأس بالبعير النجيب بالبعيرين من حاشية الإبل نسيئةً، وإن كانت من نَعَمٍ واحدة إذا اختلفت وبان اختلافها، وإنْ أشبهَ بعضها بعضًا واتفقت أجناسها فلا يؤخذ منها اثنان بواحد إلى أجل، ويؤخذ يدًا بيد، وهو قول سليمان بن يسار وربيعة ويحيى بن سعيد، وقال الثوري والكوفيون وأحمد: لا يجوز بيع الحيوان / بالحيوان نسيئة، اختلفت أجناسه أو لم تختلف، واحتجوا في ذلك بما رواه الحسن عن سمرة: «أنَّ النبيَّ صلعم نَهَى عنْ بَيْعِ الحيوانِ بالحيوانِ» قال الترمذي: حسن صحيح، وسماع الحسن من سَمُرَةَ صحيح كذا قال علي بن المديني وغيره.
          وقال في «العلل»: سألت محمدًا عنه فقال: قد روى داود العطار عن معمر هذا، وقال: عن ابن عباس، وقال الناس: عن عكرمة مرسل وهَّنَ محمد هذا الحديث، قال أبو عيسى: والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من الصحابة وغيرهم.
          وقال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يُسأل عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، فقال: يعجبني أن تتوقَّاه. فقيل له: فيه شيء يصح؟ قال: فيه الحسن عن سمرة، ولا يصح سماع الحسن من سمرة.
          وقال عبد الله: حَدَّثَنا أبي: حَدَّثَنا يحيى عن ابن أبي [عروبة وابن جعفر: حدَّثنا سعيد بن أبي عروبة] عن قتادة عن الحسن عن سمرة يرفعه: «نُهِيَ عنْ بيعِ الحيوانِ بالحيوانِ نسيئةً» قال [يحيى: ثم نسي] الحسن، فقال: إذا اختلف الصنفان فلا بأس.
          ولما رواه الحاكم من حديث يحيى بن الضُّرَيْسِ عن إبراهيم بن طَهْمَانَ عن الحجاج بن الحجاج عن قتادة عن الحسن عن سَمُرَةَ: «أنَّ النبيَّ صلعم نَهَى عَنْ بَيْعِ الشَّاةِ باللحمِ» قال: صحيح الإسناد ورواته عن آخرهم [آئمة حفاظ] ثقات، وقد احتج البخاري بالحسن عن سمرة، وله شاهد مرسل في «الموطأ» عن زيد عن ابن المسيب: «أنَّ النبيَّ صلعم نَهَى عنْ بيعِ اللحمِ بالحيوانِ».
          وفي «التمهيد»: عن سهل بن سعد، عن النبي صلعم مثله، قال: سنده موضوع.
          وبما رواه الحاكم مصحَّح الإسناد من حديث سفيان بن سعيد عن معمر عن يحيى [بن] أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس: «نَهَى رسولُ اللهِ صلعم عَنْ بَيْعِ الحيوانِ بالحيوانِ نسيئةً».
          ولما رواه البيهقي من حديث إبراهيم بن طَهْمَانَ عن معمر، قال: وكَذَلِكَ رَوَاهُ دَاوُدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ العَطَّارُ، عَنْ مَعْمَرٍ مَوْصُولًا، وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ أَبِي أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيِّ وَعَبْدِ المَلِكِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الذِّمَارِيِّ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مَعْمَرٍ.
          قالَ البيهقيُّ: وَكُلُّ ذَلِكَ وَهْمٌ، وَالصَّحِيحُ: عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلعم مرسلٌ / . والإسماعيليُّ ذكر في حديث ابن أبي كثير أن ابن طهمان رواه عن يحيى مرسلًا.
          قالَ البيهقيُّ: رُوِّينَا عَنِ البُخَارِيِّ أَنَّهُ وَهَّنَ رِوَايَةَ مَنْ وَصَلَهُ، ورُوِيَ عنِ ابنِ خُزَيْمَةَ أنَّهُ قالَ: الصَّحِيحُ عنْد أَهْلِ المَعْرِفَةِ بِالحَدِيثِ الخَبَرُ مُرْسَلٌ لَيْسَ بِمُتَّصِلٍ.
          ولما سألَ ابنُ أبي حاتمٍ أباهُ عنْ حديثِ عبدِ المجيدِ بنِ عبدِ العزيزِ بنِ أبي روَّادٍ عن معمرٍ مرفوعًا قال: الصحيحُ عنْ عكرمةَ عن النبيِّ صلعم مرسل، ولما سأل الأثرم أبا عبد الله عنه مرفوعًا قال: هذا باطل ليس بشيء، وإنما هو مرسل، كذا رواه ابن المبارك، وفي كتب ابن معمر مرسل عن عكرمة.
          وقال المنذري: قال محمد بن إسماعيل _يعني البخاري_: حديث ابن عباس في بيع الحيوان بالحيوان رواه الثقات عن ابن عباس موقوفًا، أو عكرمة عن النبي صلعم مرسلًا. انتهى.
          وقد وقع لنا هذا الحديث مرفوعًا من طريق الزهري عن عكرمة بسند صحيح ذكره الإسماعيلي في جمعه حديث يحيى بن أبي كثير فقال: حَدَّثَنا أحمد بن محمد بن سعيد السُّلَمِي المروزي بالبصرة: حَدَّثَنا طاهر بن خالد بن نزار: حَدَّثَنا أبي: حدَّثنا ابن عيينة عن معمر عن الزهري، ويحيى بن أبي كثير عن عكرمة، فذكره، وما رواه الطحاوي عن محمد بن إبراهيم: حَدَّثَنا عبد الواحد بن عمرو بن صالح الزهري: حَدَّثَنا عبد الرحمن بن سليمان عن أشعث عن أبي الزبير عن جابر: «أنَّ رسولَ الله صلعم لَمْ يَكُنْ يَرَى بَأْسًا ببيعِ الحيوانِ بالحيوانِ اثنينِ بواحدٍ، ويَكْرَهُهُ نسيئةً» ولما خرجه الطُّوسي والترمذي من حديث حجاج بن أرطاة عن أبي الزبير حسَّناه.
          وقال الأثرم: قيل لأبي عبد الله: حجاج عن أبي الزبير عن جابر / الحديث، فقال: حجاج زاد فيه: «نسيئًا»، وليث بن سعد سمعه مرسلًا من أبي الزبير لا يذكر فيه: «نسيئًا» يقول: «إنَّ النبيَّ صلعم باعَ عَبْدًا بِعَبْدَيْنِ» ثم قال: ليس فيه حديث يعتمد عليه، ويعجبني أن يتوقاه.
          وبما رواه أبو عيسى في كتاب «العلل» عن محمد بن عمر المقدمي [حدثنا محمد بن دينار عن يونس بن عبيد] عن زياد بن جبير عن ابن عمر قال: «نَهَى رسولُ اللهِ صلعم عَنْ بَيْعِ الحيوانِ نسيئةً» ثم قال: سألت محمدًا عن هذا الحديث فقال: إنما يرويه عن زياد عن النبي صلعم مرسلًا.
          ورواه الطحاوي عن محمد بن إسماعيل الصائغ وغيره قالوا: حَدَّثَنا مسلم بن إبراهيم: حَدَّثَنا محمد بن دينار عن يونس بن عبيد عن زياد بن جبير عنه مرفوعًا.
          وقال الأثرم: ورواه عن مسلم، قال أبو عبد الله: محمد بن دينار زعموا كان لا يحفظ، كان يتحفظ لهم، قال الأثرم: فذكرت له حديث ابن عمر في الحيوان قال: ليس فيه ابن عمر، إنما هو [عن] زياد بن جبير موقوف.
          وقال ابن مسعود: السَّلَفُ في كلِّ شيءٍ إلى أجلٍ مُسَمَّى لا بأسَ بِهِ ما خَلَا الحيوان.
          وقال سعيد بن جبير: كان حذيفة يكره السلم في الحيوان نسيئة، وقيل: هو مذهب ابن عباس وعمار، وأجازوا التفاضل فيه.
          قال الطحاوي: وقد كان قبل نسخ الربا يجوز بيع الحيوان [بالحيوان] نسيئة.
          روى ابن إسحاقَ عن [يزيد بن أبي حبيب]، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ جُبَيْرٍ، [عن أبي سفيان] عنْ عَمْرِو بْنِ حَرِيشٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم أَمَرَهُ أَنْ يُجَهِّزَ جَيْشًا [فَنَفِدَتِ الإِبِلُ فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ فِي قِلَاصِ الصَّدَقَةِ»] فَجَعَلَ يَأْخُذُ البَعِيرَ [بِالبَعِيرَيْنِ إِلَى إِبِلِ الصَّدَقَةِ، ثم نسخ ذلك بأحاديث المنع، وثبت] أن القرض الذي هو بدل من مال لا يجب فيه حيوان في الذمم، وقد رُوي ذلك عن / نفر من المتقدمين، ولما ذكر ابن أبي حاتم حديث ابن عمرو هذا، قال: اختلف على ابن إسحاق في إسناده، والحديث مشهور، ولما ذكره البيهقي قال: له شاهد صحيح عن ابن جريج أن عمرو بن شعيب أخبره عن أبيه عن جده: «أنَّ رسولَ اللهِ صلعم أَمَرَهَ أنْ يُجَهِّزَ جَيْشًا» الحديثَ. وفيه: «البَعِيرَ بِالبَعِيرَيْنِ وبِالأَبْعِرَةِ».
          وسأل عثمانُ السِّجِسْتانيُّ يحيى بن معينَ عن سند هذا الحديث، فقال: سنده صحيح مشهور.
          احتجَّ للشافعي بما في «الصحيحين» عن أبي هريرة، ورواه الشافعي عن الثقة عن سفيان بن سعيد عن سلمة بن كُهَيْلٍ [عن أبي سلمة] عن أبي هريرة: «كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى النَّبِيِّ صلعم سِنٌّ مِنَ الإِبِلِ، فَجَاءَهُ يَتَقَاضَاهُ، فَقَالَ: أَعْطُوهُ، فَلَمْ يَجِدُوا إِلَّا سِنًّا فَوْقَ سِنِّهِ، فَقَالَ: أَعْطُوهُ».
          وعند مسلم: عن أبي رافع، قال: «اسْتَسْلَفَ رسولُ اللهِ صلعم بَكْرًا، فَجَاءَتْهُ إِبِلٌ مِن الصَّدَقَةِ، فقالَ أَبُو رَافِعٍ: فَأَمَرَنِي رسولُ اللهِ صلعم أَنْ أقْضِيَ الرَّجُلَ بَكْرَهُ، فقلتُ: يا رسولَ الله إِنِي لَمْ أَجِدْ في الإبل إِلَّا جَمَلًا خِيَارًا _أو رَبَاعِيًا_ فَقَالَ رسولُ اللهِ صلعم: أَعْطِهِ إِيَّاهُ».
          قال الشافعي: هذا الحديث الثابت عن رسول الله صلعم، وفيه أن النبي صلعم ضمن بعيرًا بالصفة، وفي هذا ما دل على أنه يجوز أن يضمن الحيوان كله بصفة من السلف وغيره.
          وفيه دليل أنه لا بأس أن يقضي أفضل مما عليه متطوِّعًا.
          قَالَ البَيْهَقِيُّ: واحتج الشافعي بأمر الدية فقال: قد قضى رسول الله صلعم بالدية مئة من الإبل، ولم أعلم المسلمين اختلفوا أنها بأسنان معروفة في مضي ثلاث سنين، وأنه افتدى كل من لم يطِب عنه نفسًا [من قسم له] من سبي هوازن بإبل سماها ست أو خمس إلى أجل.
          قَالَ البَيْهَقِيُّ: هذا فيما رواه أهل المغازي، وفيما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
          قال / الشافعي: أخبرنا مالك عن صالح بن كيسان، عن الحسن بن محمد بن علي، عن علي بن أبي طالب: «أَنَّهُ بَاعَ جَمَلًا لَهُ يُقَالُ لهُ عُصَيْفِير بِعِشْرِينَ بَعِيرًا إِلَى أَجْلٍ».
          وعن مالك عن نافع عن ابن عمر: «أَنَّهُ اشْتَرَى رَاحِلَةً بِأَرْبَعَةِ أَبْعِرَةٍ مَضْمُونَةٍ عَلَيْهِ يُوَفِّيهَا صَاحِبَهَا بِالرَّبَذَةِ».
          قال: وأَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنِ اللَّيْثِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ: «جَاءَ عَبْدٌ فَبَايَعَ رَسُولَ اللهِ صلعم عَلَى الهِجْرَةِ وَلَمْ يَشْعُرْ _أو قالَ: يَسْمَعْ_ بأَنَّهُ عَبْدٌ، فَجَاءَ سَيِّدُهُ يُرِيدُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلعم: بِعْهُ، فَاشْتَرَاهُ بِعَبْدَيْنِ أَسْوَدَيْنِ».
          قال: وأَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ، عَنِ ابنِ جُرَيْجٍ، عنْ عَبْدِ الكَرِيمِ الجَزَرِيَّ، أَخْبَرَهُ أَنَّ زِيَادَ بْنَ أَبِي مَرْيَمَ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَخْبَرَهُ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلعم بَعَثَ مُصَدِّقًا فَجَاءَ بِظَهْرٍ مُسِنَّاتٍ، فَلَمَّا رَآهُ صلعم قَالَ: هَلَكْتَ وَأَهْلَكْتَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي كُنْتُ أَبِيعُ البَكْرَيْنِ وَالثَّلَاثَة بِالبَعِيرِ المُسِنِّ يَدًا بِيَدٍ، وَعَلِمْتُ مِنْ حَاجَةِ النَّبِيِّ صلعم إِلَى الظَّهْرِ، فَقَالَ صلعم: فَذَاكَ إِذًا». وفي رواية ابن عباس: «بِعِ البَعِيْرَ بِالبَعِيْرَيْنِ».
          وروينا عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: أنه كان لا يرى بأسًا بالسلف في الحيوان.
          وذكر أيضًا قول ابن شهاب في بيع الحيوان اثنين بواحد إلى أجل: لا بأس به.
          قال: وأخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه قال: لا ربا في الحيوان، وإنما نُهي من الحيوان عن ثلاث: المضامين والملاقيح وحبل الحبلة.
          قال: والمضامين [ما] في بطون الإناث، والملاقيح: ما في ظهور الجمال، وحبل الحبلة: بيع لأهل الجاهلية.
          قال: وأخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه قال: وليبتع البعير بالبعيرين يدًا بيد [وعلى أحدهما] زيادة ورق، والورق نسيئة، قال الشافعي: وبهذا كله أقول، وخالفنا بعض الناس [في الحيوان] فقال: لا يجوز أن يكون الحيوان نسيئة أبدًا، نناقضهم بالدية، وبالكتابة / على الوصفاء بصفة، وبإصداق العبيد والإبل بصفة.
          قال: فإنما كرهنا السلم في الحيوان، لأن ابن مسعود كرهه، قال الشافعي: هو منقطع عنه، قال أحمد: يرويه عنه إبراهيم النخعي.
          قال الشافعي: ويزعم الشعبي الذي هو أكبر من الذي روى عنه كراهيته أنه إنما أسلف له في لِقَاح فَحْلِ إبل بعينه، وهذا مكروه عندنا وعند كل أحد، هذا بيع الملاقيح أو المضامين أو هما.
          وقلت لمحمد بن الحسن: أنت أخبرتني عن أبي يوسف عن عطاء بن السائب عن أبي البختري، أن بني عم لعثمان بن عفان أتوا واديًا، فصنعوا شيئًا في إبل رجل، فقطعوا به لبن إبله وقتلوا فصالها، فأُتيَ عثمان بن عفان وعنده ابن مسعود، فرضي بحكم ابن مسعود، فحكم أن يعطى بواديه إبلًا مثل إبله، وفصالًا مثل فصاله، فأنفذ ذلك عثمان.
          ويروى عن ابن مسعود أنه قضى في حيوان مثله دينًا، لأنه إذا قضى به بالمدينة وأعطيه بوادِيه كان دينًا، ونريد أن تروي عن عثمان أنه يقول بقوله، وأنتم تروون عن المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن قال: أُسْلِمَ لابن مسعودٍ وُصَفاء أحدُهم أبو زيادة _أو أبو زائدة_ مولانا، وتروون عن ابن عباس أنه أجاز السَّلم في الحيوان، وعن رجل آخر من أصحاب النبي صلعم.
          قَالَ البَيْهَقِيُّ: روى أبو حسان الأعرج قال: سألت ابن عمر وابن عباس عن السلم في الحيوان فقالا: إذا سمى الأسنان والآجال فلا بأس.
          وقال أبو نضرة: سألت ابن عمر عن السلف في الوصفاء فقال: لا بأس به، قال: [وروي عن [ابن] عمر أنه كرهه، وكذلك عن حذيفة، والحديث عنهما منقطع، وعن ابن عباس وابن] عمر موصول بقولنا: قال الشافعي في القديم: وقد يكون ابن مسعود كرهه / تنزهًا عن التجارة فيه، لا على تحريمه انتهى.
          للحنفي أن يقول: الأثر عن ابن مسعود ليس منقطعًا، بل هو موصول صحيح على شرط الشيخين، رَوَاهُ ابنُ أَبِي شَيْبَةَ عن وكيع: حَدَّثَنا سفيان عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب: أنَّ زيدَ بنَ ثابتٍ أَسْلَمَ إِلَى عِتْرِيسِ بْنِ عُرْقُوبٍ فِي قَلَائِصَ، قال: فسألت ابن مسعود، فَكَرِهَ السَّلَمَ في الحيوان.
          وأما ما ذكر عن أبي نضرة عن ابن عمر فمعارَض بقول ابن أبي شيبة: حَدَّثَنا سهل بن يوسف عن حُمَيْدٍ عن أبي نَضْرَةَ قال: قلت لابن عمر: إن أمراءنا ينهونا عنه _يعني السلم في الحيوان وفي الوصفاء_ قال: فأطع أمراءك إن كانوا ينهون عنه، وأمراؤهم يومئذ مثل الحكم بن عمرو الغفاري وعبد الرحمن بن سمرة، وأما حديث الحسن بن محمد عن علي فمنقطع ظاهر الانقطاع، وكذا حديث القاسم عن ابن مسعود، وكذا حديث زياد بن أبي مريم، وليس في حديثه النسيئة، فلا حجة فيه على الحنفي الذي يدفع ذلك من نسيئها، وكذا كل أثر تقدم لا نسيئة فيه.
          وأما الرواية عن سعيد بن جُبَيْرٍ فَمُعَارَضَةٌ بقول أبي بكر: حَدَّثَنا وكيع: حَدَّثَنا شُعْبَةُ عن عمار صاحب السابري قال: سمعت سعيد بن جبير يُسأل عن السلم في الحيوان فنهى عنه.
          وفي «مصنف وكيع بن الجراح»: حَدَّثَنا حسن بن صالح عن عبد الأعلى قال: شهدتُ شُرَيْحًا ردَّ السَّلَمَ في الحيوان.
          وحَدَّثَنَا إسرائيلُ عنْ إبراهيمَ بنِ عبد الأعلى: سمعت سويد بن غفلة يكره السلم في الحيوان.
          وحَدَّثَنَا النضرُ بن أبي مريم أن الضَّحَّاكَ رخَّصَ في السَّلَمِ في الحيوان ثم رجعَ عنه، وإلى قول الشافعي نَحَا البخاريُّ في تبويبه، وفي حديث عائشة ♦ وأنه صلعم....