التلويح شرح الجامع الصحيح

باب شراء المملوك من الحربي وهبته وعتقه

          ░100▒ (بَابُ شِراءِ الممْلُوكِ مِنَ الحَرْبيِّ وَهِبَتِهِ وَعِتْقِهِ)
          وَقَالَ النَّبِيُّ صلعم لِسَلْمَانَ: «كَاتِبْ» وَكَانَ حُرًّا، فَظَلَمُوهُ وَبَاعُوهُ.
          هذا التعليق خرَّجه ابن حبان في «صحيحه» والحاكم من حديثه عن أبي الفضل الحسن بن يعقوب: حَدَّثَنا أبو بكر يحيى بن أبي طالب: حَدَّثَنا علي بن عاصم: حَدَّثَنا حاتم بن أبي صَغِيْرَةَ، عنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عن زيد بن صُوحان، فذكره وقال: هذا حديث صحيح عالٍ في ذكر إسلام سلمان الحديثَ، وفيه: حَتَّى لَقِيَنِي رَكْبٌ مِنْ كَلْبٍ، فَسَأَلْتُهُمْ: فَلَمَّا سَمِعُوا كَلَامِي حَمَلُونِي حَتَّى أَتَوا بِلَادَهُم فَبَاعُوني، فقال النبي صلعم: «كَاتِبْ يَا سَلمَانُ».
          وقال البزار: أَخْبَرَنَا [موسى بن] عَبْدُ اللهِ: حَدَّثَنا بكرُ بنُ سُلَيْمَانَ: حَدَّثَنا محمدُ بْنِ إِسْحَاقَ، سَمِعَ عَاصِمَ بْنَ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ الحديثَ، وفيه: «ثُمَّ مَرَّ بِي نَفَرٌ مِنْ كَلْبٍ تُجَّارٌ، فَقُلْتُ لَهُمْ: تَحْمِلُونِي إِلَى أَرْضِ العَرَبِ وَأُعْطِيكُمْ بَقَرَاتِي هَذِهِ وَغُنَيْمَتِي هَذِهِ؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَأَعْطَيْتُهُمْ وَحَمَلُونِي مَعَهُمْ حَتَّى إِذَا قَدِمُوا بِي وَادِي القُرَى ظَلَمُونِي فَبَاعُونِي مِنْ رَجُلٍ يَهُودِيٍّ بأُوقيةٍ... فقال رسول الله صلعم: كَاتِب يَا سَلمَانُ، فكاتبت صاحبي على ثلاث مئة نخلة أحييها له، وعلى أربعين أوقية»، الحديثَ.
          وعند الحاكم أيضًا ما يدل أنه هو ملَّك رقبته لهم، وهو عنده من حديث أبي الطفيل عن سلمان صحيحًا، وفيه: «فَمَرَّ بِي نَاسٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فَسَأَلْتُهُمْ عنْ رسولِ اللهِ صلعم، فَقَالُوا: نَعَمْ، ظَهَرَ فِينَا رَجُلٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، فَقَالَ لِبَعْضِهِمْ: هَلْ لَكُمْ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا لِبَعْضِكُمْ عَلَى أَنْ تَحْمِلُونِي عَقِبَهُ وَتُطْعِمُونِي مِنَ الكِسَرِ، فَإِذَا بَلَغْتُمْ إِلَى بِلَادِكُمْ، فَمَنْ شَاءَ أَنْ يَبِيعَ بَاعَ، وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَسْتَعْبِدَ اسْتَعْبَدَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ / : أَنَا، فَصِرْتُ عَبْدًا لَهُ حَتَّى أَتَى بِي مَكَّةَ فَجَعَلَنِي فِي بُسْتَانٍ لَهُ» الحديثَ.
          وعند البخاري: حَدَّثَنِي الحَسَنُ قالَ: حَدَّثَنا مُعْتَمِرٌ، قَالَ أَبِي: وحَدَّثَنا أَبُو عُثْمَانَ، عَنْ سَلْمَانَ: «أَنَّهُ تَدَاوَلَهُ بِضْعَة عَشَرَ، مِنْ رَبٍّ إِلَى رَبٍّ». وسيأتي طرف منه في الفضائل.
          قَالَ البُخَارِيُّ: وسُبي عمار وصهيب وبلال. انتهى.
          يعني البخاري أنهم كانوا في الجاهلية يسبي بعضهم بعضًا، ويمتلكون بذلك، وقد روينا عن [ابن] سعد أنه قال: أخبرنا أبو عامر العقدي وأبو حذيفة موسى بن مسعود قالا: حَدَّثَنا زهير بن محمد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن حمزة بن صهيب عن أبيه قال: «إِنِّي رَجُلٌ منَ النَّمِرِ بْنِ قَاسِطٍ [من أهل الموصل]، وَلَكِنِّي سُبِيْتُ، سَبَتْنِي الرُّومُ غُلَامًا صَغِيرًا بَعْدَ أَنْ عَقَلْتُ أهلي وقَومي وَعَرَفْتُ نَسَبِي» الحديثَ.
          قَالَ البُخَارِيُّ: قال الله جل وعزَّ: {وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ}الآية [النحل:71]، قال ابن التين: معناه: أن الله فضَّل المُلَّاك على مماليكهم، فجعل المملوك لا يقوى على ملك مع مولاه، وأعلم أن المالك لا يشرك مملوكه فيما عنده، وهما من بني آدم، فكيف تجعلون بعض الرزق الذي يرزقكم اللهُ لله، وبعضه لأصنامكم، فتشركون بين الله وبين الأصنام، وأنتم لا ترضون ذلك مع عبيدكم لأنفسكم؟!