التلويح شرح الجامع الصحيح

باب ما جاء في قول الله تعالى: {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في}

          ░1▒ بَابُ مَا جَاءَ فِي قَوْلِهِ جلَّ وعزَّ:
          {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ الله وَاذْكُرُوا اللَّه كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا}الآية[الجمعة:11].
          وَقَوْلِهِ جلَّ وعزَّ: {وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}[النساء:29].
          سورة الجمعة مدنية في قول الجميع.
          وقوله: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ} قال ابن التين: جماعة أهل العلم على أنه إباحة بعد حظر، وقيل: هو أمر على بابِه، وقال الداوودي: هو على الإباحة لمن كان له كفاف أو لا يطيق التكسب، وفرض على من لا شيء له ويطيق التكسب.
          وقال غيره: من يعطف عليه بسؤال أو غيره ليس طلب الكسبِ عليه بفريضة.
          وقال ابن المنير: جميع ما ذكره البخاري في هذا الباب من الآيات ظاهر في إباحة التجارة، إلا قوله: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً} فإنها عتب على التجارة وهي أدخل في / النهي مِنها في الإباحة لها، لكن مفهوم النهي عن تركِه قائمًا اهتمامًا بها تُشعر أنها لو خلتْ من المعارِض الراجحِ لم يدخل في العتب؛ بل كانت حينئذ مباحة.
          وقوله: { إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً} قال الثعلبي: أي: لكن إذا كانت تجارة، استثناء منقطع؛ أي: إلا التجارة فإنها ليست بباطل، وقرأ أهل الكوفة «تجارةً» بالنصب وهو اختيار أبي عبيد، وقرأ الباقون بالرفع، واختاره أبو حاتم.
          و{عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} يرضى كلُّ واحدٍ منهما بما في يديه.
          قال أكثر المفسرين: هو أن يُخيِّرَ كلُّ واحد من البائعين صاحبَه بعد عقد البيع عن تراضٍ، والخيار بعد الصفقة، ولا يحل لمسلم أن يغشَّ مسلمًا.
          والبيع ضد الشراء، والبيع الشراء أيضًا، باعه الشيء وباعه منه جميعًا منهما، وابتاع الشيء اشتراه، وأباعه عرَّضه للبيع، وبايعه مبايعةً وبِياعًا عارضه بالبيع.
          والبَيِّعان: البائع والمشتري، وجمعه: باعة عند كراع.
          والبيع اسم المبيع، والجمع بيوع، والبياعات الأشياء المبتاعة للتجارة، ورجل بَيوع جيد البيع، وبياع كثيرة، ذكره سيبويه فيما قاله ابن سيده.
          وذكر النووي في «شرح ألفاظ التنبيه» أن الزَّجَّاج حكى عن أبي عبيدة: أباع بمعنى: باع، قال: وهو غريب شاذ. انتهى.
          في «الجامع» أبعته أبيعه إباعةً إذا عرضته للبيع، يقال: بعته وأبعته بمعنى واحدٍ.
          وقال ابن طريف في باب فعل وأفعل باتفاق: معنى باع الشيء وأباعه عن أبي زيد وأبي عبيدة.
          وفي «الصحاح»: والشيء مبيع ومبيوع، والبياعة السلعة، ويقال: بِيْعَ الشيء، على ما لم يسم فاعله، إن شئت كسرت الباء، وإن شئت ضممتها، ومنهم من يقلب الياء واوًا فيقول: بوع الشيء.
          وقال الشافعي: في قوله جلَّ وعزَّ: {وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَاْ}[البقرة:275] أربعة أقوال:
          أحدها: أنه عامة، فإن لفظها لفظ عموم يتناول كلَّ بيع، ويقتضي إباحة جميعها إلا ما خصه الدليل / . قال في «الأم»: وهذا أظهر معاني الآية الكريمة.
          وقال صاحب «الحاوي»: والدليل لهذا القول أنَّ النبي صلعم نهى عن بيوع كانوا يعاودونها ولم يبيِّن الجائز، فدلَّ على أن الآية تناولت إباحةَ جميع البيوع إلا ما خُصَّ منها، وبيَّن صلعم المخصوص.
          القول الثاني: أنَّ الآية مجملةٌ لا يعقل منها صحة بيعٍ من فساده إلا ببيان من سيدنا رسول الله صلعم.
          القول الثالث: يتناولهما جميعًا، فيكون عمومًا دخله التخصيص، ومجملًا لحقه التفسير لقيام الدلالة عليهما.
          القول الرابع: أنها تناولت بيعًا معهودًا، ونزلت بعد أن أحلَّ النبي صلعم بيوعًا وحرَّم بيوعًا، فقوله: {أَحَلَّ اللهُّ البَيْعَ} أي: البيع الذي بيَّنه صلعم من قبل، وعرفه المسلمون منه، فتناولت الآية بيعًا معهودًا، ولهذا دخلت الألف واللام لأنهما للعهد، وأجمعت الأمة على أن المبيع بيعًا صحيحًا يصير بعد انقضاء الخيار ملكًا للمشتري.
          قال الغزالي: أجمعت الأمة على أن البيع سبب لإفادة الملك.