التلويح شرح الجامع الصحيح

باب إذا اشترى شيئًا لغيره بغير إذنه فرضي

          ░98▒ (بَابٌ إِذَا اشْتَرَى شَيْئًا لِغَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَرَضِيَ)
          ذكر حديث ابن عمر عن الثلاثة الذين سُدَّ عليهم الغار مطوَّلًا [خ¦2215].
          قوله: (آوَاهُم) وفي رواية: ”فَأَوَوا“ [خ¦2272] هو بقصر الهمزة، ويجوز مدُّها، أي: انضموا إلى الغار، وجعلوه لهم مأوى.
          وقول بعضهم: (ادْعُوا بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ) استدلَّ به من يقول: يُسْتَحب للإنسان أن يدعو الله تعالى بصالح عمله ويتوسل به، وفيه إثبات كرامات الأولياء والصالحين.
          وقوله: (لا أَغبِقُ) من الغُبوق، وهو اسم للشراب المُعَدِّ للعشيِّ.
          وقوله: (دَأْبي وَدَأْبَهُما) أي: شأني وشأنهما، قال الفراء: أصله مِن دأبتُ، إلا أن العرب حوَّلت معناه إلى الشأن.
          وقوله: (فنَأَى بي طَلَبُ الشَّجَرِ يَومًا) [من يجعل الهمزة قبل الألف و] منهم من يجعل الهمزة بعد الألف، وهما لغتان وقراءتان، وهو البعد. أي: بعد بي طلب الشجر التي ترعاها الإبل.
          وقوله: (لَمْ أَرُحْ) هو من الرواح، وهو ما بعد الزَّوال.
          وقوله: (يَتَضَاغَونَ) أي: يصيحون من الجوع، والضُّغَاءُ ممدود مضموم الأول: صَوت الذِّلة والفاقة.
          وقوله: (فَافرُج) بضم الراء (عَنَّا فُرْجَةً) هي بضم الفاء، وزعم ابن التين أنه ضبط في أكثر الأمهات (فَافْرُجْ) بضم الراء، وذكر صاحب «الصحاح»: أنه يكسر.
          وذكر البخاري هنا: (بفَرْقٍ مِنْ ذُرَةٍ) وقال في المزارعة: (فَرْق أَرُزٍّ).
          قوله: (فَزَرَعتُ حَتَّى اشتَرَيتُ مِنهُ بَقَرًا وَرَاعِيهَا) هو موضع الترجمة، وبه استدل الحنفيون وغيرهم ممن يجيز بيع الإنسان مال غيره والتصرف فيه بغير إذن مالكه إذا أجازه المالك بعد ذلك، وموضع الدلالة قوله: (فَلَم أَزَل أَزرَعهُ حَتَّى جَمَعتُ مِنهُ بَقَرًا) وفي رواية: ”فَثَمَّرْتُ أَجْرَهُ حَتَّى كَثُرَتْ مِنْهُ الأَمْوالُ“. انتهى.
          للشافعي أن يقول هذا إخبار عن شرع من قبلنا، وهل هو شرع لنا؟ فيه خلاف عند المحققين، وقَالَ الخَطَّابِيُّ: استدلَّ به أحمد على أن المستودع إذا اتجرَ في مال الوديعة / وربح أن الربح إنما يكون لرب الملك، قال: وهذا لا يدل على ما قال، وذلك أن صاحب الفَرَق إنما تبرع بفعله وتقرب به إلى الله جل وعز. وقد قال: إنه اشترى بقرًا، وهو تصرف منه في أمر لم يوكله به، فلا يستحق عليه ربحًا، والأشبه معناه أنه قد يتصدق بهذا المال على الأجير بعد أن اتجر فيه وأَنْمَاه.
          والذي ذهب إليه أكثر الفقهاء في المستودَع إذا اتجر بمال الوديعة، والمضارب إذا خالف رب المال فربح أن ليس لصاحب المال من الربح شيء. وعند أبي حنيفة المضارب ضامن رأس المال، والربح له ويتصدق به والوضيعة عليه، وقال الشافعي: إن كان اشترى السلعة بعين المال فالبيع باطل، وإن كان بغير عينه فالسلعة ملك المشتري وهو ضامن للمال.
          وقَالَ ابنُ بَطَّالٍ: وأما من اتجر في مال غيره:
          فقالت طائفة: يطيب له الربح إذا ردَّ رأس المال إلى صاحبه، سواء كان غاصبًا للمال أو كان وديعةً عنده متعديًا فيه، هذا قول عطاء [وربيعة] ومالك والليث والثوري والأوزاعي وأبي يوسف، واستحبَّ مالك والثوري والأوزاعي تنزهه عنه ويتصدق به.
          وقالت طائفة: يرد المال ويتصدق بالربح كله، ولا يطيب له منه شيء، هذا قول أبي حنيفة ومحمد بن الحسن وزفر.
          وقالت طائفة: الربح لرب المال، وهو ضامن لما تعدَّى فيه، وهو قول ابن عمر وأبي قلابة، وبه قال أحمد وإسحاق.
          قَالَ ابنُ بَطَّالٍ: وأصح هذه الأقوال قول من قال: إن الربح للغاصب والمتعدي، والله أعلم.