التلويح شرح الجامع الصحيح

باب: هل يبيع حاضر لباد بغير أجر؟وهل يعينه أو ينصحه؟

          ░68▒ باب هَلْ يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ بِغَيْرِ أَجْرٍ؟ وَهَلْ يُعِينُهُ أَوْ يَنْصَحُهُ؟
          وَقَالَ النَّبِيُّ صلعم: «إِذَا اسْتَنْصَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَنْصَحْهُ».
          هذا التعليق رواه مسلم في الاستئذان عن قتيبة ويحيى بن أيوب وابن حجر عن إسماعيل بن جعفر عن العلاء، عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلعم قال: «حق المسلم على المسلم ست» فذكر منها: «وإذا استنصحك فانصح له».
          وعند البيهقي من حديث حمزة عن عبد الملك بن عمير عن أبي الزبير عن جابر قال رسول الله صلعم: «وإذا استنصح أحدكم أخاه فلينصحه» انتهى.
          كذا قال عبد الملك بن عمير، وفي النسائي عن عبد الملك بن جريج عن أبي الزبير أصل الحديث.
          قال البيهقي: وروي معناه عن حكيم بن أبي يزيد عن أبيه عن النبي صلعم.
          وقيل: عنه عن أبيه عمن سمع النبي صلعم.
          [وفيه: النهي عن بيع حاضر لبادٍ].
          [قال البخاري:]وَرَخَّصَ فِيهِ عَطَاءٌ.
          هذا التعليق رواه...
          وقال ابن التين: يحتمل أن يكون البخاري أراد بحديث ابن عباس «لا يبيع حاضر لباد» وبقول / عطاء: إن بيع الحاضر للبادي جائز بلا كراهة. وترجمته بعد هذا تحقق مقصوده، وهي من كره أن يبيع حاضر لباد بأجر.
          قال ابن بطال: أراد البخاري جواز ذلك بغير أجر، ومنعه إذا كان بأجر، كما قال ابن عباس: لا يكون له سمسارًا، فكأنه أجاز ذلك لغير السمسار إذا كان من طريق النصح.
          قال ابن التين: ولأنَّ البدوي قد يستنصح الحضري.
          ويحتمل أنْ يكون صلعم قال ذلك على معنى المصلحة لأهل الحضر والنظر لهم؛ لإلزامهم الجماعة، وطلبهم للعلم والمذاكرة فيه فقال: «دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض» فإذا تولى الحضري البيع للبدوي رفع في أثمان السلعة، بخلاف تولي البدوي ذلك بنفسه، فربما سأل أقل من سؤال الحضري وينتفع بذلك أهل الحضر، ولم يزل صلعم ينظر للعامة على الخاصة، فيريد البخاري على هذا التأويل أن يترك السمسرة على هذا التأويل، وترك بيع الحاضر للبادي من النصيحة للمسلمين.
          وقال ابن بطال: أريد به نفع أهل الحضر.
          وقال الطحاوي: الحاضر يعلم أسواق البلد فيستقصي على الحاضرين، فلا يكون لهم في ذلك ربح، بخلاف البدوي.
          وقد أخذ قوم بظاهره، روي ذلك عن ابن عمر وأبي هريرة وأنس، وهو قول الليث والشافعي.
          ورخص في ذلك آخرون، روي ذلك عن عطاء ومجاهد وقال: إنما نهى سيدنا رسول الله صلعم عن ذلك في زمانه، وأما اليوم فلا.
          وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، وقالوا: قد عارض هذا الحديث قوله صلعم: «الدين النصيحة».
          وفي جعله الخيار للبائع دليل على صحة البيع إذ الفساد لا خيار فيه، قال صاحب «اللباب»: نسخ هذا الخيار قوله: «البيعان بالخيار».
          وقال مالك: لا أرى أنْ يبيع [حاضر للبادي، ولا لأهل القرى، وأمَّا أهل] المدن من أهل الريف فليس بالبيع لهم بأس.
          وقال ابن المنذر: تأول قوم النهي على وجه التأديب لا التحريم، لقوله صلعم: «دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض».
          اختلفوا / هل يفسخ ذلك البيع؟
          فعن ابن القاسم: يفسخ، وإن فات لا شيء عليه.
          وفي رواية سحنون عنه: يمضي البيع، وهو قول ابن وهب والشافعي.
          وفي حديث طلحة بن عبيد الله عند أبي داود من حديث سالم المكي أن أعرابيًا حدثه أنه قدم بجلوبة له على عهد رسول الله صلعم، فنزل على طلحة فقال له: «إن النبي صلعم نهى أن يبيع حاضر لباد، ولكن اذهب إلى السوق فانظر من يبايعك فتشاورني حتى آمرك أو أنهاك».
          ورواه ابن وهب عن عمرو بن الحارث وابن لهيعة عن سالم أبي النضر عن رجل من بني تميم عن أبيه عن طلحة.
          ورواه سليمان بن أيوب الطلحي عن أبيه عن جده عن موسى بن طلحة عن أبيه.
          قال يعقوب بن شيبة في أحاديث سليمان بن أيوب الطلحي وهي سبعة عشر حديثًا رواها عن أبيه عن جده عن موسى بن طلحة عن أبيه، هذه الأحاديث عندي صحاح أخبرني بها أحمد بن منصور عنه.
          ولما خرجه البزار من حديث ابن إسحاق عن سالم المكي عن أبيه قال: هذا الحديث لا نعلمه يُروى عن طلحة إلا من هذا الوجه، ولا نعلم أحدًا قال عن سالم عن أبيه عن طلحة إلا مؤمل بن إسماعيل، وغير مؤمل يرويه عن رجل.
          وعن الأوزاعي: ليست الإشارة بيعًا.
          وروي عن مالك الرخصة في الإشارة.
          وقال الليث: لا يشير عليه.
          ولم يراع الفقهاء في السمسار أجرًا ولا غيره.
          والناس في تأويل هذا الحديث على قولين: فمن كره بيع الحاضر للبادي كرهه بأجر وبغير أجر.
          ومن أجازه أجازه بأجر وبغير أجر.