التلويح شرح الجامع الصحيح

باب تفسير المشبهات

          ░3▒ بَابُ تَفْسِيرِ المُشَبَّهَاتِ
          وَقَالَ حَسَّانُ بنُ أَبِي سِنَانٍ: مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَهْوَنَ مِنَ الوَرَعِ، دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ.
          هذا التعليق أخبرنا به الإمام المسند ضياء الدين موسى الخطيب قراءة عليه: أخبرنا عبد اللطيف الحرَّاني قراءة عليه، عن اللَّبَّان والحَمَّال: أخبرنا أبو علي، وأنبأنا به عاليًا أبو الحسن البخاري، عن جماعة من الأصبهانيين، عن أبي عليٍّ، قال: أخبرنا أبو نعيم: حدَّثنا محمد بن جعفر: حدَّثنا محمد بن أحمد بن عمرو: حدَّثنا عبد الرحمن بن عمر رُسْتَه، قال: أخبرنا زهير بن نُعيم البابي، قال:
          «اجتمع يونس بن عبيد وحسان بن أبي سنان _يعني أبا عبيد الله عابد أهل البصرة_ فقال يونس: ما عالجت شيئًا أشدَّ عليَّ من الورع، فقال حسان: لكن أنا ما عالجتُ شيئًا أهونَ عليَّ منه، قال يونس: كيف؟ قال حسان: تركت ما يَريبني إلى ما لا يَريبني فاسترحت».
          وبالإسناد إلى أبي نعيم الحافظ قال أبو بكر بن مالك: حَدَّثنا عبد الله بن أحمد: حدَّثني الحسن بن عبد العزيز الجَرَوي، قال: كتب إلينا ضَمْرة، عن عبد الله بن شَوْذَب، قال: قال حسان بن أبي سنان: «ما أيسر الورعَ، إذا شككتَ في شيء فاتركه».
          ولفظة: (دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ) / رويناها عن سيدنا رسول الله صلعم من حديث الحسن بن علي، وقيل له: «ما حفظتَ من رسول الله صلعم؟ قال: دعْ ما يَريبك إلى ما لا يَريبك»، قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وقال الحاكم: صحيح الإسناد.
          وشاهده حديثُ أبي أُمَامَةَ: «أنَّ رجلًا سألَ النبيَّ صلعم ما الإيمانُ؟ قال: إذا سرَّتك حسنتُك وساءتك سيئتك فأنت مؤمن. قال: يا رسول الله! ما الإثم؟ قال: إذا حاك في صدرك شيءٌ تدعه».
          وفي كتاب «الربا» لمحمد بن أسلمَ من حديثِ ابن لَهيعةَ عن يزيد عن سويد بن قيس، عن عبد الرحمن بن معاوية بن جريج، أن رسول الله صلعم قال لمن سأله عمَّا يحلُّ له: «ما أنكر قلبك فدعه».
          وذكر البخاري حديث عُقْبَةَ بْنِ الحَارِثِ: «أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ جَاءَتْ فَزَعَمَتْ أَنَّهَا أَرْضَعَتْهُ وَزَوْجَهُ بِنْتَ أَبِي إِهَابٍ، فَذَكَرَ ذلك لِلنَّبِيِّ صلعم، فَقَالَ: كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ!» [خ¦2052].
          وعند الترمذي: «فجاءت امرأة سوداء، فقالت: إني أرضعتكما، وهي كاذبة، فقال له صلعم: دعها عنك».
          ذهب جمهور العلماء إلى أن النبي صلعم أفتاه بالتحرُّز من الشبهة، وأمره بمجانبة الرِّيبة خوفًا من الإقدام على فرجٍ يخاف أن يكون الإقدام عليه ذريعة إلى الحرام؛ لأنه قد قام دليل التحريم بقول المرأة، لكن لم يكن قاطعًا ولا قويًا لإجماع العلماء على أن شهادة امرأةٍ واحدةٍ لا تجوز في مثل ذلك، لكنه أشار عليه بالأحوط يدلُّ عليه أنَّه لما أخبره أعرضَ عنه، فلو كان حرامًا لما أخَّره وأعرضَ عنه؛ بل كان يجيبه بالتحريم، فلما كرَّر عليه مرَّة بعد أخرى أجابه بالورع.
          واسم الزوجة: غنية بنت أبي إِهَاب، ذكره الزبير.