التلويح شرح الجامع الصحيح

باب التجارة في البحر

          ░10▒ وذكر البخاري:[بَاب] التِّجَارَةِ فِي البَحْرِ
          وحديثه تقدم في أواخر كتاب الزكاة، وقال هنا:
          (وَالفُلْكُ: السُّفُنُ، الوَاحِدُ وَالجَمْعُ سَوَاءٌ).
          قال ابن سيده: سميت سفينة لأنها تسفن وجه الماء، أي: تقشره، فعيلة بمعنى فاعلة، والجمع: سفائن وسفُن وسفين.
          وقال ابن التين: والفُلك جمع، وواحدته فَلَك بفتح اللام، مثل أُسد وأَسد.
          وقال الفراء: والفلك يذكر ويؤنث.
          قال البخاري: (وَقَالَ مَطَرٌ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ الله العظيم فِي القُرْآنِ إِلَّا بِحَقٍّ، ثُمَّ تَلَا: {وَتَرَى الفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ}[النحل:14]).
          قال ابن بطال: استدلال مطر الوراق بالآية حسن؛ لأن الله تعالى سخر البحر لعباده لابتغاء فضله من نعمه التي عدَّدها لهم، وأراهم في ذلك عظيمَ قدرته، وسخَّر الرياح باختلافها لحملهم وردِّهم، وهذا من عظيم آياته، ونبَّههم على شكره عليها بقوله: {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُوْنَ}.
          وفيه ردٌّ لقول من منعَ ركوب البحر إبَّان ركونه، وهو قول يُروى عن عمر بن الخطاب، وإذا كان الله قد أباح ركوبه للتجارة، فركوبه للحج والجهاد أجوز.
          وأما إذا كان ركوبه إبَّان ارتجاجه فالأئمة مجمعة على أنه لا يجوز ركوبُه؛ لأنه تعرض للهلاك، ولم يزلِ البحر يُركَبُ في قديم الزمان، ألا ترى ما ذكر في هذا الحديث أنه ركب زمن بني إسرائيل.
          قال الداودي: إنما ذكر هذا صلعم ليُتَأسَّى به، فلا وجه لقول من منع ركوبه. انتهى.
          الذي ذكره ابن عبد الحكم وغيرُه عن عمر من منع ركوبه إنما كان لشدَّةِ شفقته على المسلمين، وإلا لَمَّا حفر عمرُو بن العاص البحرَ ووصلَه إلى عمر خرج إليه، واستبشر بما حمل إليه من الميرة وغيرها، وكان ذلك عن إذنه ☺.
          قال البخاري: وَقَالَ مُجَاهِدٌ: تَمْخَرُ السُّفُنُ الرِّيحَ، وَلَا تَمْخَرُ / الرِّيحَ مِنَ السُّفُنِ إِلَّا الفُلْكُ العِظَامُ.
          قال ابن التين: يريد أن السفن تمخر من الريح، وإن صغرت؛ أي: تصوِّت، والريح لا تمخر؛ أي: لا تصوِّت من كبار الفلك؛ لأنها إذا كانت عظيمةً صوَّت الريح، فأسقط مجاهد {فِي}، فيقرأه ▬الفلكَ↨ بالنصب، وفي خفضه قول آخر.