تحفة الباري بشرح صحيح البخاري

باب قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم}

          ░35▒ (بَابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى) في نسخة: <╡>. ({يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ} [المائدة:106]) أي حضرته أمارات الموت ({حِينَ الوَصِيَّةِ}) بدل من (إِذَا حَضَرَ). / ({اثْنَانِ}) خبر (شَهَادَةُ) أو فاعلها بمعنى شهادة بينكم شهادة اثنين، أو بمعنى فيما فرض عليكم أن يشهد اثنان. ({ذَوَا(1) عَدْلٍ مِنْكُمْ}) أي من المسلمين. ({أَو آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ}) أي من أهل الكتاب عند فقد المسلمين المشار(2) إليه بقوله: ({إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ}) أي سافرتم فيها ({فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ المَوْتِ}) أي قاربْتموه ({تَحْبِسُوْنَهُمَا} [المائدة:106]) صفة (آخَرَانِ) أي تمسكونهما(3) لليمين ليحلفا. ({مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ}) أي صلاة العصر ({فَيُقْسِمَانِ بِاللهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ}) أي شككتم في شهادتهما. ({لَا نَشْتَرِي بِهِ}) أي بالقسم ({ثَمَنًا}) أي عوضًا نأخذه بدلَه من الدنيا، بأن نقسم به، أو نشهد كاذبين لأجله. ({وَلَوْ كَانَ}) أي المقسم له، أو المشهود له ({ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللهِ}) أي التي أمر الله بإقامتها. {إِنَّا إِذًا لَمِنَ الآثِمِينَ } أي إن كتمناها. ({فَإِنْ عُثِرَ}[المائدة:107]) أي اطُّلع. ({عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا}) أي استوجباه بالخيانة، والحنث في القسم. ({فَآخَرَانِ}) أي فشاهدان آخران. ({يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا}) أي في توجيه القسم عليهما. ({مِنَ الَّذينَ اسْتُحِقَّ}) أي جُني ({عَلَيْهِمُ}) وهم الورثة ({الأَوْلَيَانِ}) بالرفع خبر مبتدأ محذوف، أو بدل من (آخران) أي الأقربان إلى الميت. ({فَيُقْسِمَانِ بِاللهِ}) أي على(4) خيانة الشاهدين ويقولان: ({لَشَهَادَتُنَا}) أي يميننا ({أَحَقُّ}) أي أصدق ({مِنْ شَهَادَتِهِمَا}) أي يمينهما. ({وَمَا اعْتَدَيْنَا}) أي في اليمين. ({إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ}[المائدة:107]) أي إن كنَّا كذبنا عليهم، قال البيضاوي(5): ومعنى الآيتين: أنَّ المحتضر إذا أراد الوصية ينبغي أن يُشهد عليها عدلين من ذوي نسبه أو دينه، أو يوصي إليهما احتياطًا، فإن لم يجدهما بأن كان(6) في سفرٍ فآخران من غيرهم، ثم إن وقع نزاع وارتياب أقسما على صدق ما يقولان بالتغليط(7) في الوقت، فإن اطلع على أنهما كذبا بأمارة ومظنة، حلف(8) آخران من أولياء الميت، والحكم منسوخ إن كان الاثنان شاهدين، فإنه لا يحلف الشاهد ولا تعارض(9) يمينه بيمين الوارث، وثابت إن كانا وصيين، ورد اليمين إلى الورثة إما لظهور خيانة الوصيين، فإن تصديق الوصي باليمين لأمانته، أو لتغيير الدعوى. انتهى.
          والحكم منسوخ أيضًا في شهادة غير أهل الملَّة ({ذَلِكَ}) أي الحكم المذكور مِنْ ردِّ اليمين على الورثة ({أَدْنَى}) أي أقرب إلى(10) ({أَنْ يَأْتُوا}) أي الشهود ({بِالشَّهَادَةِ}) أي التي تحمَّلُوها ({عَلَى وَجْهِهَا}) أي من غير تحريف فيها ({أَو يَخَافُوا}) أي أو أدنى إلى أن يخافوا. ({أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ} [المائدة:108]) أي على الورثة المدعين.
           والحاصل: أنَّ ما حُكم به من ردِّ اليمين أقرب إلى إتيان الشهود بالشهادة على وجهها، أو إلى أن يخافوا ردَّ اليمين على ورثة الميت بعد إيمانهم، فيحلفوا على خيانتهم وكذبهم، فيفتضحوا ويغرموا فلا يحلفون كاذبين إذا خافوا هذا الحكم، وجمع الضمير في الآية مع أنَّ مرجعه اثنان لأنَّ الحكم يعمَّ الشهود كلَّهم. ({وَاتَّقُوا اللهَ}) أي بترك الخيانة والكذب ({وَاسْمَعُوا}) أي ما تؤمرون به سماعَ قبول. ({وَاللهُ لَا يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ}) أي الخارجين عن طاعته. وفي نسخة عَقَّب قَولَه: {مِنْ غَيْرِكُمْ} إِلَى قَوْلِهِ: <{وَاللهُ لَا يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ} [المائدة:108]>.
           (الأَوْلَيَانِ: وَاحِدُهُمَا أَولَى، وَمِنْهُ أَولَى بِهِ أَحَقُّ بِهِ، {عُثِرَ}) ظهر، {أَعْثَرْنَا}: أظهرنا) من كلام البخاري وهو ساقط من نسخة.


[1] في (ع): ((ذوي)).
[2] في (ع): ((أشار)).
[3] في (ك): ((تمسكونها)).
[4] قوله: ((على)) ليس في (ع).
[5] تفسير البيضاوي (أنوار التنزيل وأسرار التأويل) 2/376.
[6] في (ع) و(ك): ((كانا)).
[7] في (ع) و(د)3: ((بالتغليظ)).
[8] في (ع): ((خلف)).
[9] في (ع): ((يعارض)).
[10] قوله: ((إلى)) ليس في (ع) و(د).