التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب صيام يوم عاشوراء

          قوله: (بَابُ صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ): (عاشوراء)؛ بالمدِّ والقصر، وقد قدَّمت ذلك [خ¦1592]، وقد اختُلِف أيُّ يوم هو عاشوراء؛ فالصَّحيح: أنَّه عاشر المُحرَّم، وقيل: تاسعه، والقولان لابن عبَّاس، وحكى شيخنا الشَّارح عن أبي اللَّيث السَّمرقنديِّ: أنَّه حادي عشر المحرَّم، قال: (وحكاه المُحبُّ الطَّبريُّ أيضًا)، انتهى، وقد رأيته أنا في كلام المُحبِّ الطَّبريِّ، ولكن قولًا مع القولين قبله من غير أن يتعرَّض لعزوه لكتاب ولا لقائل، وكأنَّه مشهورٌ عنده.
          فائدة: قال شيخنا: يوم عاشوراء اتفقت فيه فضائلُ: منها: أنَّه أظفر الله فيه موسى على فرعون، وفلق له البحر، وغرق فيه فرعون وجنوده، واستوت فيه سفينة نوح على الجوديِّ، وأَغْرَق قومَه(1)، ونجَّا يونسَ من بطن الحوت، وتابَ على قومه، وتاب فيه على آدم، قاله عكرمة، وفيه أُخرِج يوسف من الجُبِّ، ووُلد فيه عيسى، سنده واهٍ، وتاب الله فيه على قوم، ويتوب فيه على آخرين، وفيه تُكسَى الكعبة كلَّ عامٍ، قاله ابن حبيب فيما نقله ابن بطَّال عنه، انتهى.
          قال الحافظ أبو العبَّاس ابن تيمية: (لم يصحَّ فيه شيء غير الصَّوم)، انتهى، ويَرِدُ عليه: التَّوسعة في النفقة على النفس والأهل، ولم يقف الشَّيخُ على حديثها، وإنَّما وقف فيها على كلام مُحَمَّد بن المنتشر، وفيها حديثٌ صحيحٌ على شرط مسلم فيه عنعنة أبي الزُّبير عن جابر: «مَن وسَّع على نفسه وأهله يوم عاشوراء، وسَّع الله عليه سائر سَنَتِهِ»، قال جابر: (جرَّبناه فوجدناه كذلك)، وقال أبو الزُّبير مثله، وقال شعبة مثله، رواه أبو عُمر ابنُ عبد البَرِّ(2) في «الاستذكار»، ورجالُه رجالُ «الصَّحيح» غير أنَّه من رواية أبي الزُّبير عن جابر بالعنعنة، وقد أخرج مسلمٌ في «صحيحه» أكثر من مئة وأربعين حديثًا من رواية أبي الزُّبير عن جابر؛ بعضُها بالعنعنة، وبعضها بـ(حَدَّثَنَا) أو(أخْبَرنا)، ولم يخرِّجِ البخاريُّ لأبي الزُّبير عن جابر(3) إلَّا حديثَين؛ حديث المخابرة، وحديث النَّهي عن بيع الثمرة قبل بُدوِّ الصَّلاح [خ¦2189]، ولكن الحديثان فيهما أبو الزُّبير مقرون بغيره، وقد ذكر له البخاريُّ حديثًا آخر، لكنَّه ذكره تعليقًا مجزومًا به، وهو حديث بَعِير جابر [خ¦2718]، والله أعلم.
          وفي التَّوسعة يوم عاشوراء أحاديث، لكنَّ هذا أمثلُها، والله أعلم، وقد ذكرها شيخنا الحافظ العراقيُّ في مُؤلَّف مُفرَد، وقد قرأته عليه.


[1] (وأغرق قومه): سقط من (ب).
[2] زيد في (ب): (في استيعابه).
[3] زيد في (ب): (في «صحيحه» أكثر من مئة وأربعين حديثًا من رواية أبي الزبير عن جابر بعضها).