التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب: شهرا عيد لا ينقصان

          قوله: (بَابٌ: شَهْرَا عِيدٍ لَا يَنْقُصَانِ): للنَّاس في معنى هذا الكلام أقوالٌ، ذكر البخاريُّ كما يقع في بعضِ النُّسخ: (قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: قَالَ إِسْحَاقُ: وَإِنْ كَانَ نَاقِصًا؛ فَهْوَ تَمَامٌ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجْتَمِعَانِ كِلَاهُمَا نَاقِصٌ)، قال النَّوويُّ: (والصَّحيح الأوَّل).
          أمَّا (إسحاق) الذي نقل عنه البخاريُّ هنا، فهو ابن سُوَيد بن هُبَيرة، ويقع في بعض النُّسخ: (إسحاق بن سويد)؛ منسوبًا، قال شيخُنا: (وهو إسحاق بن سويد بن هُبيرة العدويُّ التَّميميُّ البصريُّ)، انتهى، عن أبي قَتَادة تميم بن نُذَير العدويِّ، ومُعاذةَ العدويَّةِ، ويحيى بن يَعْمَر، وعبدِ الرَّحمن بن أبي بَكْرَة، وجماعةٍ، وقيل: إنَّه روى عنِ ابنِ عُمَرَ، كذا في كلام الذَّهبيِّ، وفي كلام العلائيِّ: (أرسل عن عُمَرَ)، وعزاه لأبي زُرْعة، فلعلَّ أحدَهما غلطٌ من النَّاسخ، ويحتمل أنَّهما صحيحان، وعنه: الحمَّادان، وابنُ عُلَيَّة، وعبدُ الوهَّاب الثَّقفيُّ، وآخرون، وثَّقه أحمدُ وجماعةٌ، قال ابنُ سعد: (تُوفِّيَ في الطَّاعون سنة «131هـ»)، روى له البخاريُّ مقرونًا بآخَرَ _كما سيأتي قريبًا جدًّا، وقرينُه (خَالِدٌ الحَذَّاءُ) ابنُ مِهران_، وعلَّق عنه هنا كما ترى، ورأيتُ بعضَهم قال: (إنَّه ابنُ راهويه)، وهذا يردُّه ما في بعض النُّسخ: (إسحاق بن سويد) منسوبًا، والله أعلم، وكذا مصرَّح بأنَّه(1) ابن سويد في «صحيح مسلم» في (الصَّوم)، وكذا يردُّه قولُ شيخِنا فيه، ولكن في «جامع التِّرمذيِّ» [خ¦692] نَقْل هذا الكلام عن إسحاق، ولم ينسبْه، ولكنَّ من عادته أنَّه لا ينقل عن إسحاق إلَّا ابن راهويه، والله أعلم.
          فهذان قولان في الحديث: قول إسحاق [وقول مُحَمَّد].
          و(محمَّد): الظَّاهر أنَّه البُخاريُّ صاحب «الصَّحيح»، والله أعلم.
          وقال التِّرمذيُّ في «جامعه»: (قال أحمدُ: معنى هذا الحديث: لا ينقصان معًا في سَنَة واحدة؛ شهر رمضان وذو الحجَّة، إن نقص أحدهما؛ تمَّ الآخَرُ، وقال إسحاق: معناه: «لا ينقصان» يقول: وإن كان تسعًا وعشرين، فهو تمام غير نقصان، وعلى مذهب إسحاق يكون ينقص الشَّهران معًا في سنة واحدة)، انتهى.
          وقد ذكر المحبُّ الطَّبريُّ هذا الحديث، وذكر في معناه خمسة أقوال؛ أحدها: أنَّه خرج مخرج الغالب، والغالب أنَّهما لا ينقصان في عام واحد، الثَّاني: لا ينقصان عن أجر الكامل ولو نقص عددهما، وبيَّن ذلك؛ لئلَّا يقع في النُّفوس إذا صاموا تسعًا وعشرين، أو أخطؤوا العدد، الثَّالث: أنَّه إشارة إلى سنة معلومة، قاله ابن فورك، الرَّابع: لا ينقص أجر ذي الحجَّة عن أجر رمضان، الخامس: لا ينقصان في الحقيقة، وإن نقصا عندنا في رأي العين عند حصول حائل، قاله أبو حاتم، انتهى.


[1] (أنه): ليس في (ب).