التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ

          ░21▒ (بَابُ أَجْرِ الحَاكِمِ إِذَا اجْتَهَدَ فَأَصَابَ أَوْ أَخْطَأَ)
          قال الخَطَّابِيُّ: إنَّما يُؤْجَر المجتهد عَلى اجتهاده في طلب الحقِّ؛ لأنَّ اجتهاده عبادة، ولا يُؤجر على الخطأ، بل يُوضع عنه الإثْم فقط، هذا فيمَن كان جامعًا لآلة الاجتهاد، عارفًا بالأصول عَالِمًا بوجوه القياس، فأمَّا مَنْ لم يكن مَحَلًّا للاجتهاد، فهو مُتَكَلِّف وَلا يُعْذَر بالخطأ، بلْ يُخاف عليه الوِزر، ويدلُّ عليه ما في «سنن أبي داود» / و«ابن ماجه» عَن بُرَيْدَة قال: قال رسول الله صلعم : ((الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ: وَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ، وَاثْنَانِ فِي النَّارِ، فَأَمَّا الَّذِي فِي الْجَنَّةِ فَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ وقَضَى بِهِ، وَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَجَارَ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ)).
          وهذا إنَّما هو في الفروع المحتملة للوجوه المختلفة دون الأصول التي هي أركان الشريعة، وأُمُّهات الأحكام الَّتي لا تحتمل الوجوه، ولا مَدْخل لها في التَّأويل، فإنَّ مَنْ أخطأ فيها فهو غير معذور في الخطأ، وكَان حكمه في ذلك مردودًا (1).
          قال النَّووي: واختلفوا في أنَّ كلَّ مجتهد مصيب أو المصيب واح، وهو مَنْ وافق الحكم الذي عند الله والآخر مخطئ، وهذا الثاني هو الأصحُّ عند الشافعيِّ وأصحابه؛ لأنَّه يُسَمَّى مُخْطِئًا، ولو كان مُصِيْبًا لم يُسَمَّ مخطئًا؛ لأنَّه محمول على مَنْ أخطأ النَّصَّ أو اجتهد فيما لا يَسوغ فيه الاجْتهاد. ومَن ذهب إلى الأوَّل قال: قد جعل للمخطئ أجرًا فلولا إصابته لم يكن له أجر، وقال أيضًا: ومَنْ ليس بأهل فلا يحلُّ له الحكم ولا ينفذ حكمه سواء وافق الحقَّ أمْ لا؛ لأنَّ إصابته اتفاقية فهو عاص في جميع أحكامه.
          قال الطَّيبي: ومَن ذهب إلى الأوَّل لم يقل: إنَّ كلًا منهما مصيب مِن كلِّ الوجوه بل إنَّ أحدهما مُصيب مِن وجه كونه آتيًا بالعبادة كما قال الخطابي، ومُخطئ مِن وجه كونه لم يوافق الحكم الذي عند الله، ويؤيِّده حكاية ابن الأثير في «الكامل» في حكم داود وسليمان ♂في الحرْث الَّذي نفشتْ فيه الغنم، عن بعض العلماء أنَّ في بعض الآية دليل على أنَّ كلَّ مجتهد في الأحكام الشرعية مُصيب؛ فإنَّ داود ◙ لم يوافق الحكم الذي عند الله، وأجابه (2) سليمان ♂فقال تعالى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا}[الأنبياء:79] يريد أنَّ هذه الخاتمة (3) كالتكميل لما تقدَّم مِن توهُّم النَّقص في شأن نبيِّ الله داود ◙ جِيء بها جُبرانًا له بذلك.


[1] في الأصل:((مردود)).
[2] هكذا في الأصل، ولعل الصواب:((وأصابه)).
[3] هكذا في الأصل.