التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

باب ما كان النبي يسأل مما لم ينزل عليه الوحي

          ░8▒ (بَابُ مَا كَانَ النَّبِيُّ صلعم يُسْأَلُ مِمَّا لَمْ يُنْزَلْ عَلَيْهِ الوَحْيُ، فَيَقُولُ: لاَ أَدْرِي، أَوْ لَمْ يُجِبْ حَتَّى يُنزلَ الله عَلَيْه الوَحْيُ)
          قوله: (وَلَمْ يَقُلْ بِرَأْيٍ وَلاَ قِيَاسٍ) إنْ قيل: مَا الفرق بينهما؟ قيل: هما مُترادفان، وقيل: الرَّأي هو التَّفكر أي: لم يقلْ بمقتضى العَقل ولا بالقياس، وقيل: الرَّأي أعمُّ لتناوله مثل الاسْتحسان.
          قوله: (لِقَوْلِ الله تَعَالَى: {بِمَا أَرَاكَ اللهُ}[النساء:105]) أي: في قوله تعالى: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ}[النساء:105] ولقائل أنْ يقول: إذا حَكم بين النَّاس بالقياس فقد حكم أيضًا بما أراه الله.
          تنبيه: اعترض الدَّاودي على قوله: (وَلَمْ يَقُلْ بِرَأْيٍ وَلاَ بقِيَاسٍ) فقال: ليس كما قال بل كان يقول بالدليل لقوله في حديث التعريض (1) بنفي ولده بقوله: إِنَّ امْرَأَتِي جَاءت بِغُلاَمٌ أَسْوَد، فَقَالَ له: ((هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟)) قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: ((مَا أَلْوَانُهَا؟)) قَالَ: حُمْرٌ، قَالَ: ((هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟)) قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: ((أَنَّى أَتَاهُ ذَلِكَ؟)) قَالَ: لَعَلَّهُ نَزَعَهُ (2) عِرْقٌ، فَقَالَ: ((وَلَعَلَّ ابْنَكَ نَزَعَهُ عِرْقٌ)).
          وقال للَّذي قال: إنَّ الْإِبِلَ تَكُونُ فِي الرَّمْلِ، كَأَنَّهَا الظِّبَاءُ؟ فَيُخَالِطُهَا الْجَمَلُ الْأَجْرَبُ فَيُجْرِبُهَا، قَالَ: ((فَمَنْ أَعْدَى الْأَوَّلَ)).
          وقال لِسَوْدَةَ بنت زَمْعَةَ في ابن وَليدة زَمعة: ((احْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ لِمَا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ))، وقال تعالى: / {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ (3) لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ} الآية [النساء:105] قال: وهذا هو الدَّليل ليس مَا زعم البخاريُّ أنَّه المَنصوص، وقال تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ}[الحشر:2] وقال: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ}[النساء:83] والاستنباط غير النَّصِّ، وقال تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}[الأنعام:38] فلو لم يكن للاعْتبار والدَّليل لكان يوجد خِلاف ما فيه ولم ينصَّ فيه عَلى الجدِّ والأخوة، وقال:{وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ}[الأنفال:75] ولم يُبَيِّن صفة مواريثهم.
          واعترض ابن التِّين فقال: ما ذكره الداودي ليس بالبيِّنِ، وإنَّما أراد البُخَارِيُّ أنَّه ╕ وقف في أشياء فلم يتكلَّم فيها برأيٍ ولا بقياسٍ، وتكلَّم في أشياء برأيه فَبَوَّب على كلٍّ مِن ذلك وأتى في كلِّ باب بما بوَّب عليه.
          وقوله: ({بِمَا أَرَاكَ اللهُ}) أي: بما أعلمك الله.
          قوله: (وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: وسُئِلَ النَّبِيُّ صلعم عَنِ الرُّوحِ فَسَكَتَ حَتَّى نَزَلَتِ الآيَةُ) هذا قدَّمه مسندًا.


[1] في الأصل:((العرض)).
[2] في الأصل:((ينزعه)).
[3] في الأصل:((بالحكم)).