التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

باب ذكر الجن وثوابهم وعقابهم

          ░12▒ (بَابُ ذِكْرِ الجِنِّ (1) وَثَوَابِهِمْ وَعِقَابِهِمْ).
          اختُلِفَ في الجنِّ هل أُرسِلَ إليهم رسول؟ فقال عبيد بن سليمان: سُئِلَ الضَّحاك عن الجنِّ هل كان فيهم مؤمن قبل أن يُبعَثَ النَّبيُّ صلعم ؟ فقال: ألم تسمع قول الله تعالى: {يَا مَعْشَرَ الجِنِّ وَالإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ}[الأنعام:130] يعني رسلًا من الإنس ورسلًا من الجنِّ، وفي «تفسير الضَّحاك الكبير»: أرسل إلى الجنِّ نبيٌّ اسمه يوسف.وروى البزَّار في «مسنده»: قال ◙ : / ((النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ، وَأَنَا بُعِثْتُ إِلَى الِجنِّ وَالإِنْسِ)) وقال الكلبيُّ: كانت الرُّسل قبل مبعث رسول الله صلعم يبعثون إلى الجن والإنس جميعًا.
          وقال مُجاهد: الرُّسل من الإنس والنُّذر من الجنِّ.ثمَّ تلا: {وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ}[الأحقاف:29] يعني أنَّ الجنَّ يستمعون دينهم من الرُّسل ويبلِّغونه إلى سائر الجنِّ وهم النُّذر، كالذين استمعوا القرآن فبلَّغوه قومهم فهم رسل إلى قومهم.وقال أهل المعاني: الرُّسل من الإنس خاصَّة.وهذا كقوله: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ والْمَرْجَانُ}[الرحمن:22] وإنَّما يخرج من المَلِحِ دون العَذْبِ، ذكره الثَّعلبي، وعن بعضهم: أنَّ المرجان يخرج أيضًا من العَذْبِ.
          واختلفوا في مؤمن الجنِّ هل يدخل الجنَّة؟
          فقال الشَّافعيُّ وغيره نعم، استدلالًا بقوله: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ}[الرحمن:56] قالوا: فلو لم يدخلوا الجنَّة لما قال هذا.وعن أبي حنيفة روايتان: الأولى: قال لم أدرِ إلى أين مصيرهم.والثَّانية: قال: يصيرون إلى الجنَّة؛ لقوله تعالى: {وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}[الأحقاف:31].ونقل القرطبيُّ عن عمر بن عبد العزيز والزُّهريِّ والكلبيِّ ومُجاهد أنَّهم في ربض رحاب الجنَّة وليسوا فيها.
          والمرجَّح عند جماعة العلماء أنَّهم يأكلون حقيقة، وزعم بعضهم أنَّهم يتغذُّون بالشَّمِّ (2).ويردُّه الحديث أنَّهم سألوا رسول الله صلعم ليلة الجنِّ الطَّعامَ فقال: ((لَكُمْ كُلُّ عَظْمٍ يَصِيْرُ كَأَوْفَرِ مَا كَانَ لَحْمًا وَالرَّوْثُ لِدَوَابِّهِمْ)).
          قوله: (وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجِنَّةِ نَسَبًا}[الصافات:158]) إلى آخر هذا الأثر، أخرجه ابن جرير من حديث ابن أبي نُجيح عنه بزيادة: (فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَنْ أُمَّهَاتُهم؟ فَقَالُوا: بَنَاتُ سَرَوَاتِ الْجِنِّ، يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ خُلِقُوا مِمَّا خُلِقَ مِنْهُ إِبْلِيسُ) وفي «تفسير عبد بن حميد» عنه: الجِنَّة بطن من بطون الملائكة.وسَرَوَاتِ الْجِنِّ خيرات نسائهم؛ لأنهنَّ بنات ساداتهم؛ لأنَّ سروات جمع سراة، وسراة جمع سري، وهو نادر شاذٌّ؛ لأنَّ فعلات لا يُجمَعُ على فعلة.
          قوله: ({وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآن}[الأحقاف:29]) قال زر بن حبيش نقله ابن التِّين: كانوا تسعة.والنَّفَرُ في اللُّغة من الثَّلاثة إلى العشرة، وقيل: ما بين الثَّلاثة والعشرة.وكأنَّه اختُلِفَ في الثَّلاثة هل يُقَالُ فيهم نفر؟.وقال السُّهَيْلِيُّ: يُقَالُ: هم من جنُّ نصيبين.ويُروَى: جنُّ الجزيرة.وروى ابن أبي الدُّنيا أنَّه ◙ ذكر جنَّ نصيبين فقال: ((رفعت إليَّ حتَّى رأيتها فدعوت الله أن يكثر مطرها ويُنضِّرَ شجرها ويُعذِّبَ نهرها)).
          ويُقَالُ: كانوا سبعة وكانوا يهود فأسلموا، ولذلك قالوا: {أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى}[الأحقاف:30] وقال ابن عبَّاس: إنَّ الجنَّ لم تسمع أمر عيسى / ولذلك قالوا: {أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى}[الأحقاف:30] وهم: شاصر وناصر ومنشى وناشي والأحقب.ذكرهم ابن دريد.ومنهم عمرو بن جابر.ذكره ابن سلام في «تفسيره» عن ابن مسعود، ومنهم: زوبعة.ذكره ابن أبي الدُّنيا، ومنهم: سرق.وفي «تفسير عبد»: كانوا من نينوى وأتوا رسول الله صلعم بنخلة، وقيل: بشعب الحجون.
          تنبيه: القول بأنَّهم من جن نصيبين قول ابن عبَّاس، ويشهد له قوله صلعم في حديث: ((أَتَانِيْ وَفْدُ جِنِّ نَصِيبِيْنَ وَنِعْمَ الجِنِّ هُمْ)) والقول بأنَّهم من نينوى قول قتادة، والقول بأنَّهم من جنِّ جزيرة الموصل قول عكرمة.وقال مُجاهد: من أهل نجران.


[1] في الأصل:((الحق)).
[2] في الأصل:((بالشمة)).