التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

باب ذكر الملائكة

          ░6▒ بَابُ ذِكْرِ المَلاَئِكَةِ:
          هو جمع ملك، قال القزَّاز: هو مأخوذ من الألوكة وهي الرِّسالة، ثمَّ تُرِكَت همزته لكثرة الاستعمال، فقيل ملك، فلمَّا جمعوه ردُّوه إلى أصله، فقالوا: ملايك وزِيدت الياء للمبالغة أو لتأنيث الجمع، فوزنه مفعل.وقال ابن كيسان: فعال من الملك، أي: لأنَّ الله تعالى قد جعل لكلِّ ملك مُلكًا، فملك الموت مُلكه قبض أرواح الخلائق، وإسرافيل مُلكه الصُّور، وكذا سائرهم، ويُفسِّرُ هذا قولهم ملائكة بالهمز ولا أصل له على هذا القول.وقال أبو عبيدة: وزنه مفعل من لاك إذا أرسل.
          قوله: (وَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلاَمٍ للنَّبيِّ صلعم : إِنَّ جِبْرِيلَ عَدُوُّ اليَهُودِ مِنَ المَلاَئِكَةِ).
          هذا التَّعليق قد أسنده فيما يأتي قريبًا عن محمَّد بن سلام عن مروان بن معاوية عن حميد عنه مطوَّلًا، وهو معنى قوله تعالى: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فإنَّه نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ} الآية [البقرة:97]، وإنَّما تصورت اليهود ذلك لما كان نزل به على موسى ◙ من التكاليف الشَّاقَّة على بني إسرائيل، وكلُّ ما وقع بهم من المحن والبليَّات، رأتْ سببه من جبريل، وقيل إنَّما كان عدوُّهم لأنَّه يُطالِعُ محمَّدًا صلعم عَلَى سِرِّهِم، وهو صاحب كلِّ خسف وعذاب وشدَّة، وقيل كان عدوُّهم من جهة أنَّه أُمِرَ أن يجعل النبوَّة فيهم في زعمهم، فحلَّها في غيرهم.
          قوله: (وَقَالَ ابْنُ عبَّاسٍ: {لَنَحْنُ الصَّافُّونَ}[الصافات:165] المَلاَئِكَةُ).هذا الأثر رواه الطَّبري عن محمَّد بن سعد، حدَّثني أبي قال: حدَّثني عمر قال: حدَّثني أبي عن أبيه عن ابن عبَّاس بزيادة: ((الملائكة صافُّون تُسبِّحُ لله ╡)) ورُوِيَ نحوه مرفوعًا من حديث عبيد بن سليمان عن الضَّحاك بن مزاحم، قال: كان مسروق يروي عن عائشة بلفظ: ((ما في السَّماء الدُّنيا موضع قدم إلَّا عَلَيْه ملك ساجد أو قائم)).فذلك قوله تعالى: {وإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ}[الصافات:165] ثمَّ ساق عن عبد الله بن عمر نحوه، ورواه أيضًا عن مجاهد وقتادة والسدِّي وابن زيد.