التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

باب ما جاء في عذاب القبر

          ░86▒ (بَابُ مَا جَاءَ فِي عَذَابِ القَبْرِ)
          قال النَّووي: اعلمْ أنَّ مذهب أهل السُّنَّة إثباتُ عذابِ القبرِ، وقد تظاهرت عليه الدلائل مِن الكتاب والسُنَّة، قال تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} الآية [غافر:46]، وأمَّا الأحاديث فلا تخصُّ كثرة، ولا مانع في العقل أن يعيد الله الحياة في جزءٍ مِن الجسد، أو في جميعه، على الخلاف في ذلك، فيثيبه ويعذِّبه، وإذا لم يمنع العقل ورود الشَّرع به وجب قبوله واعتقاده، ولا يمنع مِن ذلك كون الميت قد تفرَّقت أجزاؤه كما شاهد في العادة، أو أكلته السِّباع والطُّيور وحيتان البحر، كما أنَّ الله تعالى يعيده للحشر، وهو سبحانه قادر على ذلك، فإن قيل: فنحن نشاهد الميت على حاله فكيف يُسألُ ويُقعد ويُضربُ ولا يظهر أثرهُ؟ فجوابه أنَّ ذلك غير ممتنع، بل له نظير في الشَّاهد وهو النَّائم؛ فإنَّه يجد لذَّة وألمًا يحسُّه، ولا يحسُّه مِن عنده، وإنَّما اليقظان إلى جانبه قد يسمعه ويتفكَّر فيه ولا يشاهد ذلك عليه، وكذلك كان جبريل ◙ يأتي النبيَّ صلعم فيوحي إليه بالقرآن ولا يدركه الحاضرون، وكلُّ ذلك دليل ظاهر جليٌّ، قال أصحابنا: وأمَّا إقعاده المذكور في الحديث فيحتمل أن يكون مختصًّا بالمقبور دون المنبوذ ومَن أكلته السباع والحيتان، وأمَّا ضربه بالمطرقة فلا يمتنع أن يوسَّع له في قبره فيُقعد ويُضرب. والله تعالى أعلم.