التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب تأويل قول الله تعالى {من بعد وصية يوصى بها أو دين}

          [قوله: (بَابُ [تَأْوِيلِ] قَوْلِ اللهِ تَعالَى: {مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ}[النساء:11]): ذكر ابن المُنَيِّر ما في الباب بغير إسناد، ثمَّ قال: ([إن] قيل: ترجم على تقديم الدَّين على الوصيَّة، فما وجه ذكر حديث العبد) يعني: حديث: «العبد راع في مال سيِّده»، قال: (وحديث حَكِيم؟) يعني به: (سألت النَّبيَّ صلعم فأعطاني...)؛ الحديث، قال ابن المُنَيِّر: (قلت: أمَّا حديث العبد؛ فأصلٌ يندرج تحته مقصود التَّرجمة؛ لأنَّه لمَّا تعارض في ماله حقُّه وحقُّ السَّيِّد؛ قُدِّم الأقوى، وهو حقُّ السَّيِّد، وجُعِل العبدُ مسؤولًا عنه، ومُؤَاخَذًا بحفظه، وكذلك حقُّ الدَّين لمَّا عارضه حقُّ الوصيَّة _والدَّين واجبٌ، والوصيَّة تطوُّع_؛ وجب تقديمُه.
          وأمَّا حديث حَكِيم(1)؛ فيحتمل مطابقته من وجهين؛ أحدهما: أنَّ النَّبيَّ صلعم زَهَّد في قبول العطيَّة، ومَرَّض(2) فيها، وجعل يدَ آخذِها اليدَ السُّفلى؛ تنفيرًا عن قبولها، ولم يَرِدْ مثلُ هذا في تقاضي الدَّين، فالحاصل: أنَّ قابضَ الوصيَّة يدُه السُّفلى، وقابضَ الدَّين استيفاء حقِّه؛ إمَّا أن تكون يده العُليا؛ لأنَّه المُتفضِّل، وإمَّا أن تكون يدُه ليست بالسُّفلى، هذا أصل حالته، فتحقَّق تقديمُ الدَّين على الوصيَّة بذلك.
          الوجه الآخر في المطابقة ذكره المُهلَّب؛ وهو أنَّ عمر ☺ اجتهد أن يوفيَه حقَّه في بيت المال، وبالغ في خَلَاصه من عُهدته، وهذا ليس دَينًا، ولكن فيه شبه الدَّين؛ لكونه حقًّا في الجملة، والوجه الأوَّل أقوى في مقصود البخاريِّ عند النظر، والله أعلم)]
.
          قوله: (وَيُذْكَرُ أَنَّ النَّبِيَّ صلعم): (يُذكَر): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، وقد تَقَدَّم أنَّها صيغةُ تمريض، ولم يكن(3) ما ذكره فيه على شرطه، وقد أخرجه التِّرمذيُّ وابنُ ماجه، قال التِّرمذيُّ: (لا نعرفه إلَّا مِن حديث أبي إسحاق عن الحارث(4)، وقد تكلَّم بعضُ أهل العلم في الحارث)، انتهى، للحارث ترجمةٌ في «الميزان»، وقد تكلَّم مسلمٌ عليه في مُقدِّمة «الصَّحيح»، ولم يخرِّج له البخاريُّ ومسلمٌ، وأخرج له الأربعةُ، وقد ذكر الحاكمُ مِن حديث عليٍّ ☺ قال: (إنَّكم تقرؤون هذه الآية: {مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ}[النساء:11]، وإنَّ رسول الله صلعم قضى بالدَّين قبل الوصيَّة)، فيه: الحارث الأعور، المذكور قبله، والله أعلم.


[1] (حكيم): سقط من (ب).
[2] كتب فوقها في (أ): (كذا)، و(مرض فيها): ليس في مصدره.
[3] في (ب): (يذكر).
[4] (عن الحارث): سقط من (ب).