التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

باب إسلام سلمان الفارسي

          ░53▒ (بَابُ إِسْلاَمِ سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ).
          كان إسلامه في السنَّة الأولى من الهجرة، وأوَّل مشهد شهده مع رسول الله صلعم الخندق، وإنَّما منعه من حضورها (1) قبل ذلك أنَّه كان مسترقُّ القوم من اليهود فكاتبوه فأدَّى رسول الله صلعم كتابته وعُتِقَ، ولم يزل بالمدينة حتَّى غزا المسلمون العراق، فخرج معهم وحضر فتح المدائن، وولَّاه إيَّاها عمر ☺ فتولَّاها حتَّى مات ودُفِنَ بها، عاش مائتي وخمسين سنة، وقيل: ثلاثمائة وخمسين، وقيل: أدرك وصيَّ عيسى ◙ ، كان من نجباء الصَّحابة، كان يعمل في الخوص بيده فيأكل منه، قيل: إنَّ النَّبيَّ صلعم اشتراه على العتق، والمشهور ما قدَّمناه بأنَّه أدَّى عنه كاتبه، وكان كَاتَبَ على أن يغرس ثلاثمائة نخلة، وعلى أربعين أوقية من ذهب، فغرسها له رسول الله صلعم بيده المباركة وقال لأصحابه: ((أعينوا أخاكم)) فأعانوه حتَّى أدَّى كلَّ ما كان عليه.
          وقال الدَّاوديُّ: كاتب على مائتي ودية فغرسها الشَّارع بيده الشَّريفة، فلم يعطل منها شيء، وكان سلمان ☺ أوَّل مكاتب في الإسلام، وقيل: بل كُوتِبَ قبله واحد حكاه ابن التِّين، ولمَّا قسم رسول الله صلعم حفر الخندق بين المهاجرين والأنصار قالت كلُّ طائفة منهما: سلمان منَّا، فقال رسول الله صلعم : ((سَلْمَانُ مِنَّا أَهْلَ البَيْتِ)).
          وقال القاضي بعد حكايته الخلاف في مقدار عمره: ثمَّ ظهر لي أنَّه من أبناء الثَّمانين لم يبلغ المائة، له عن رسول الله صلعم ستُّون حديثًا، أخرج البخاريُّ له حديثًا واحدًا مسندًا (2) وثلاثة أحاديث موقوفة، وخرَّج له مسلم ثلاثة مسندة وأربعة غير مسندة، وهو ☺ أحد من اشتاقت إليه الجنَّة، تُوفِّيَ سنة ستٍّ وثلاثين، وجزم به الكِرْمَانِيُّ، وقيل: سنة سبع، وقال عفيف الْكَازَرُونِيُّ: تُوفِّيَ سنة اثنتين وثلاثين في عهد عثمان، وقيل: سنة ستٍّ وثلاثين في عهد عليٍّ، والأوَّل أصحُّ.


[1] في الأصل:((حضورنا)).
[2] في الأصل:((حديث واحد مسند)).