التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

باب هجرة النبي وأصحابه إلى المدينة

          ░45▒ (بَابُ هِجْرَةِ النَّبِيِّ صلعم وَأَصْحَابِهِ إِلَى المَدِينَةِ).
          الهجرة في الأصل اسم من الهجر ضدُّ الوصل، وقد هجره هجرًا وهجرانًا، ثمَّ غلب على الخروج من أرض إلى أرض، ونزل الأوَّل للثَّانية.
          قوله صلعم : (رَأَيْتُ فِي المَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ فَذَهَبَ وَهَلِي) بفتح الهاء والواو، أي: وهمي واعتقادي.قال السُّهيليُّ: وَهِلَ الرَّجُلُ وَهْلًا (1) وَوَهَلًا إذا أراد شيئًا فذهب وهمه إليه (2).وقال عبد الله بن زيد وأبو هريرة، عن النَّبيِّ صلعم : ((لَوْلاَ الهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ)) هذا التَّعليق عن أبي هريرة تقدَّم مسندًا في باب لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار فراجعه.
          قوله: (وَقَالَ أَبُو مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صلعم : رَأَيْتُ فِي المَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ، فَذَهَبَ وَهَلِي إِلَى أَنَّهَا اليَمَامَةُ أَو الهَجَرُ) إلى آخره.
          وهذا التَّعليق أيضًا تقدَّم قريبًا في باب هجرة الحبشة إذ قال: (وَقَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ النَّبيُّ صلعم : أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لاَبَتَيْنِ، فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ المَدِينَةِ وَرَجَعَ عَامَّةُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ إلى أَرْضِ الحَبَشَةِ إِلَى المَدِينَةِ) (3) غيره: ويُقَالُ فيه وَهَمَ أيضًا بفتح الهاء، وأمَّا وَهِمَ بكسر الهاء فمعناه وَأُوْهِمُ (4)؟؟؟ بالألف، فمعناه استغلط (5)؟؟؟.وقال القاضي: قوله: (فَوَهِلَ النَّاسُ فِي مَقَالَةِ رَسُولِ اللهِ صلعم) بفتح الهاء وكسرها، قيل: فزعوا، ويُقَالُ: وَهِلْتُ بالكسر أَوْهَلُ إذا فزعت، قيل: ويكون بالفتح هنا أيضًا بمعنى غلطوا، ومثله الحديث الآخر: (لَمْ يَكْذِبْ وَلَكِنَّهُ وَهَلَ) بالفتح، أي: ذهب وهمه إليه، قال: كذا ضبطناه وكذا قيَّدناه على ابن سراج في «الغريبين» وحكاه صاحب «المصنَّف» بكسر الهاء، وكذا قيَّدناه على ابن سراج هناك، وذكر صاحب «الأفعال»: وَهَلَ إلى الشَّيء وَهْلًا ذهب وهمه إليه، ووهِلَ وَهَلًا جَبُنَ، وأيضًا قَلِقَ ونَسِيَ (6)، وفي الحديث: (فَذَهَبَ وَهَلِي إلى أَنَّهَا اليَمَامَةُ أَو الهَجَرُ) أي: ذهب وهمي إلى ذلك وهو الصَّحيح، وهذا يُصحِّحُ كسر الماضي لأنَّ مصدر فَعِل لا يأتي على فَعْل.
          قوله: (إِلَى أَنَّهَا اليَمَامَةُ) هي مدينة باليمن على مرحلتين من / الطَّائف.
          قوله: (أَو الهَجَرُ) قال عفيف الْكَازَرُونِيُّ: هي مدينة معروفة وهي قاعدة البحرين، وقال الكِرْمَانِيُّ: هي بضمِّ الهاء والجيم قرية بقرب المدينة، وفي أكثرها (هَجَرُ) بدون الألف واللَّام، وكذا تقدَّم له في (نَبْقِ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى) أنَّها كقلال هجر، ذكر أنَّها بقرب المدينة وليس بهجر البحرين.
          قوله: (فَإِذَا هِيَ يَثْرِبُ) هو اسم مدينة رسول الله صلعم ، وهو غير منصرف، وهذا كان اسم المدينة في الجاهليَّة، وسمَّاها الله تعالى المدينة في قوله تعالى: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ} الآية [التوبة:120] سمَّاها رسول الله صلعم طيبة وطابة، وأمَّا بلفظ صلعم بيثرب مع النَّهي عن تسميتها بذلك فيُحتمَلُ أنَّه كان قبل النَّهي، أو لبيان الجواز وأنَّ النَّهي للتَّنزيه لا للتَّحريم فخاطبهم بما كانوا يعرفون.


[1] قوله:((الرجل وهلاً ووهلاً)) ليس ظاهراً في الأصل لخفائه في طرف الحاشية.
[2] في الأصل:((إلى)) وهي عند السهيلي في الروض الأنف:((فذهب وهمه إلى غيره)).
[3] في الأصل: هنا الكلام سقطت منه كلمة:((قال)) ليستقيم مع ما بعده.
[4] كذا صورتها في الأصل.
[5] كذا صورتها في الأصل.
[6] في الأصل:((نسي)) بدون واو، ولا تستقيم إلا بها.