التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب طرح جيف المشركين في البئر ولا يؤخذ لهم ثمن

          قوله: (بَابُ طَرْحِ جِيَفِ الْمُشْرِكِينَ، وَلَا يُؤْخَذُ لَهُمْ ثَمَنٌ): قال ابن المُنَيِّر بعدما ذكر ما في الباب على عادته باختصار: (الظاهر أنَّ البُخاريَّ بلغه حديثُ ابن أبي ليلى: أنَّ المشركين سألوا رسول الله صلعم أن يشتروا منه جُثَثَ القتلى، فأبى، لكن لم يوافق شرط البُخاريِّ، فتلقَّى معناه من هذا الحديث؛ إذ العادة(1) تشهد أنَّ أهل هؤلاء القتلى لو فهموا أنَّه يقبل منهم فداء أجسادهم؛ لبذلوا الرغائب فيها، ولكنَّهم يئسوا أن يقبل منهم، ففُهِم مقصود الترجمة من الحديث بهذه الطريقة)، انتهى.
          وهذا الحديثُ الذي ذكره ابنُ المُنَيِّر قد رواه التِّرْمِذيُّ في (الجهاد) عن محمود بن غَيلان، عن أبي أحمدَ الزُّبيريِّ، عن سفيانَ، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مِقْسَم، عنِ ابنِ عَبَّاس، وقال: ([حسنٌ] غريبٌ لا نعرفه إلَّا مِن حديث الحكم، رواه الحجَّاج أيضًا عن الحكم)، انتهى.
          ولمَّا ذكر عبدُ الحقِّ في «أحكامه» حديثَ التِّرْمِذيِّ؛ قال: (إسنادُه ضعيفٌ ومنقطعٌ)، وكذا قال ابنُ القَطَّان؛ لأنَّ سماعَ الحَكَم من مِقْسَم خمسةَ أحاديثَ ما هذا منها، وضعَّفاه من جهة ابن أبي ليلى، قال الذَّهَبيُّ في «ميزانه» في ترجمة مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى: (وقول التِّرْمِذيِّ أَولى)؛ يعني: أنَّه حسنٌ، انتهى.
          وقد ذكر ابنُ عائذ(2) _فيما ذكره عنه ابن سيِّدِ النَّاسِ في «سيرته»_ قال: (فأقبل نوفل بن عبد الله ابن المغيرة المخزوميُّ على فرسٍ له ليُوثِبَه الخندقَ، فوقع في الخندق، فقتله الله، وكبُر على المشركين، وأرسلوا إلى رسول الله صلعم: إنَّا نعطيكم الدية على أن تدفعوه إلينا فنَدفِنَهُ، فردَّ إليهم رسولُ الله صلعم: «إنَّه خبيثٌ، خبيثُ الثمن، فلعنه الله، ولعن دِيته، ولا نمنعكم أن تدفنوه، ولا أَرَبَ لنا في دِيَته»، وقيل: أعطَوا في دِيته عشرة آلاف)، انتهى، ونقل شيخُنا نحوَه عن ابن(3) إسحاق، وقال في آخره: (قال ابنُ هشام: أعطَوا في جسده عشرةَ آلافِ درهمٍ، فيما بلَغَنا عن الزُّهْرِيِّ)، انتهى.


[1] في (أ): (العبارة)، وفي (ب): (العبادة)، وفي هامش (أ): (لعلَّه: العادة).
[2] في (ب): (العائذ).
[3] (ابن): سقط من (ب).