التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث عمر: فرقوا بين كل ذي محرم من المجوس

          3156- 3157- قوله: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ): تَقَدَّمَ أنَّ هذا هو ابن المَدينيِّ، الحافظُ الجِهْبِذُ، وكذا تَقَدَّمَ (سُفْيَانُ) بعده: أنَّه ابنُ عُيَيْنَة، الإمامُ(1) المشهورُ، وكذا تَقَدَّمَ (عَمْرٌو): أنَّه ابنُ دِينارٍ المَكِّيُّ الإمامُ، لا قهرمان آل الزُّبَير، هذا ليس له في «البُخاريِّ» و«مسلمٍ» شيءٌ، وإنَّما روى له(2) التِّرْمِذيُّ وابنُ ماجه [خ¦122].
          قوله: (جَالِسًا مَعَ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَعَمْرِو بْنِ أَوْسٍ): أمَّا (جابر بن زيد)؛ فهو الإمام أبو الشعثاء الأزديُّ، صاحبُ ابنِ عَبَّاس، وعنه: قتادةُ، وأيُّوبُ، وخلقٌ، قال ابنُ عَبَّاس: (لو نزل أهلُ البصرة عند قوله؛ لأوسعهم علمًا من كتاب الله)، وقد تَقَدَّمَت ترجمتُه [خ¦1174]، وأمَّا (عَمرو بن أوس)؛ فهو ثقفيٌّ، يروي عن أبيه، والمُغيرةِ، وعدَّةٍ، وعنه: ابنُ سيرين، وعَمرُو بن دِينار، وعدَّةٌ، قال فيه أبو هريرة: ([تسألوني] وعندكم عمرو بن أوس؟!).
          قوله: (بَجَالَةُ): هو بفتح المُوَحَّدة، وتخفيف الجيم، وبعد الألف لامٌ مفتوحةٌ، ثمَّ تاء التأنيث، ابنُ عَبَدة، كاتب جَزْء بن معاوية، روى عن عبد الرَّحْمَن بن عوف وغيرِه، وعنه: قتادةُ وعَمرُو بنُ دِينار، ثقةٌ، أخرج له البُخاريُّ، وأبو داود، والنَّسائيُّ، والتِّرْمِذيُّ، وثَّقهُ أبو زُرْعة، و(عَبَدة): بفتح المُوَحَّدة، وقيل: بسكونها، وقيل فيه: عَبْد، تَقَدَّمَ [خ¦20].
          قوله: (كُنْتُ كَاتِبًا لِجَزْءِ بْنِ مُعَاوِيَةَ): هو بفتح الجيم، ثمَّ زاي ساكنة، ثمَّ همزة، قال ابنُ قُرقُول: (كذا ضبطه الأصيليُّ هكذا: بفتح الجيم، وسكون الزاي، وهمزة بعدها، وقيَّدَه عَبْد الغَنيِّ: [جَزِيٌّ]؛ بكسر الزاي، قال الدَّارَقُطْنيُّ: المحدِّثون يقولون: «جِزِيٌّ»؛ بكسر الجيم، وأهل اللغة العربيَّة يقولون: «جَزْء»، وكذا قيَّدناه عن الصدفيِّ، وكذا ذكره الخطيبُ، إلَّا أنَّه لم يقيِّد الجيم، وقيَّدَه بعضُهم: «جُزَيٌّ»؛ أعني: بعض الرواة، والصحيحُ المشهورُ فيه وفي الذي قبله _يعني: مَحْمِيَة بن جَزْءٍ_ جَزْءٌ)، انتهى.
          وهو جَزْء بن معاوية بن حُصين بن عبادة بن النزَّال بن مُرَّةَ بن عبيد بن الحارث بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم، قال أبو عمر ابنُ عَبْدِ البَرِّ: (لا تصحُّ له صحبةٌ، وكان عاملًا لعُمرَ ابنِ الخَطَّاب على الأهواز)، انتهى.
          قوله: (عَمِّ الأَحْنَفِ): يعني: الأحنف بن قيس، أبا بحر التميميَّ، يروي عن عُمَرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعدَّةٍ، وعنه: الحسنُ، وحُمَيدُ بنُ هلال، وجماعةٌ، وكان سيِّدًا نبيلًا، تُوُفِّيَ سنة ░67هـ▒، وقيل: سنة ░72هـ▒، أخرج له الجماعةُ، قال أحمدُ العِجْليُّ: (بصريٌّ ثقةٌ، وكان سيِّدَ قومه، وكان أعورَ، أحنفَ، دميمًا، قصيرًا، كوسجًا، له بيضة واحدة)، وقيل: إنَّ عينَه أُصيبَت بسمرقند، وقيل: ذهبت بالجُدريِّ.
          قوله: (فَأَتَانَا كِتَابُ عُمَرَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ): تَقَدَّمَ في (الجنائز) أنَّ عُمَرَ تُوُفِّيَ سنة ثلاث وعشرين، وذكرتُ شهرَ وفاته، وسيأتي ذلك في (مناقبه) [خ¦62/6-5536]، والله أعلم. /
          قوله: (فَرِّقُوا بَيْنَ كُلِّ ذِي مَحْرَمٍ مِنَ الْمَجُوسِ): يحتمل وجهين:
          أحدهما: أنَّ الله تعالى لم يأمر بأخذ الجزية إلَّا من أهل الكتاب، وأهل الكتاب لا ينكحون ذوات المحارم، فإذا استُعمِل فيهم قوله: «سنُّوا بهم سنَّة أهل الكتاب»؛ احتمل ألَّا تُقبَلَ منهم الجزية إلَّا أن يُسَنَّ بهم سنَّة أهل الكتاب في مناكحم أيضًا.
          ثانيهما: أن يكون عمر غلب على المجوس عَنوةً، ثمَّ أبقاهم في أموالهم عبيدًا يعملون بها، والأرض للمسلمين، ثمَّ رأى أن يفرِّق بين ذوات المحارم من عبيده الذين استبقاهم على حكمه، واستحياهم باجتهاده، وإن كان ذلك منعقدًا في أصل استحيائهم واستبقائهم، ويكون اجتهاده في تفريقه بين ذوات محارمهم مستنبَطًا من قوله: «سُنُّوا بهم سنَّة أهل الكتاب»؛ أي: ما كان أهل الكتاب يُحمَلون عليه في حريمهم ومُناكحتهم؛ فاحملوا عليه المجوس.
          وقال الخَطَّابيُّ: (أراد عمر أنَّهم يُمنعون من إظهار هذا للمسلمين، وإفشائه في مشاهدهم، وأن يُفشوها كما يُفشي المسلمون أنكحتهم)، قاله شيخنا ☼.
          قوله: (وَلَمْ يَكُنْ عُمَرُ أَخَذَ الْجِزْيَةَ...) إلى آخره: هذا قولُ بَجَالَة، وقد رأيتُ بخطِّ شيخِنا العلَّامةِ البُلْقينيِّ ما لفظه: فائدةٌ: في اتِّصال إسناد هذا الحديث نظرٌ، فإنَّ بَجَالة لم يلقَ عُمرَ(3)...، إلى أن قال: لم يكن عُمَرُ أخذ الجزيةَ من المجوس حتَّى شهد عبدُ الرَّحْمَن بن عوف، ولم يقل بَجَالة: كنت شاهدًا للشهادة المذكورة، ولا كنت حاضرًا، ولا سمعت عبد الرَّحْمَن بن عوف، وقال الإمام(4) الشَّافِعيُّ ☺ في «الأمِّ»: (أخبرنا سفيان بن عُيَيْنَة عن عمرٍو: أنَّه سمع بَجالة يقول: ولم يكن عمرُ أخذ الجزية مِنَ المجوس حتى شهد عبدُ الرَّحْمَن بن عوف أنَّ رسول الله صلعم أخذ مِن مجوس أهل هجر، قال الشَّافِعيُّ: وحديث بَجَالة متَّصلٌ ثابتٌ؛ لأنَّه أدرك عُمرَ ☺، وكان رجلًا في زمانه كاتبًا لعُمَّاله)، انتهى، ولا يلزم مِن(5) أن يكون أدرك عمرَ ☺ وأنَّه كان رجلًا في زمانه كاتبًا لعُمَّاله أن يكون متَّصلًا لما قدَّمناه، وإخراج البُخاريِّ هذا الحديثَ بهذا السند وهذا اللفظ يقتضي أنَّه متَّصل(6) عنده كما قال الشَّافِعيُّ، وفيه من النظر ما أبديته، ولم يأتِ فيه أنَّ بَجالة قال: (عن)، ولا قال: (قال)، فأين الاتِّصال؟! ورواه التِّرْمِذيُّ عن عَمرِو بن دِينار عن بَجالة: (أنَّ عمر كان(7)...)، وهذا أظهر في الاتِّصال مِن غيره، انتهت، انتهى، ولعلَّ الجواب: أنَّه لولا ثَبَت عند البُخاريِّ لقيُّ بَجالة عمر؛ ما أخرجه، ولأنَّ بَجالة ليس مدلِّسًا، أو أنَّه كتابةٌ، والكتابةُ متَّصلةٌ وإن لم يُجِزْ معها على القول الصحيح، والله أعلم.
          قوله: (هَجَرٍ): مدينةٌ باليمن، وهي قاعدة البَحْرين، وهي بفتح الهاء والجيم _ويقال فيها: (الهجر)؛ بالألف واللام، كذا في «البُخاريِّ» وإن كان الحديث معلَّقًا_ بينها وبين البَحْرين عشر مراحل، قال الجوهريُّ في «صحاحه»: (اسم بلد، مذكَّر مصروف، والنسبة إليه: هاجريٌّ، على غير قياس)، انتهى، وقال الزَّجَّاجيُّ: (هجر: يُذَكَّر ويُؤَنَّث)، ولهم (هجر) أخرى بقرب المدينة المشرَّفة، يُصنع بها القلال(8)، والله أعلم.


[1] زيد في (ب): (المجتهد).
[2] زيد في النُّسخَتَينِ: (بعض)؛ وذلك أنَّ العبارةَ كانت في (أ): (روى له بعض أهل السُّنن)، ثمَّ ضرب على قوله: (أهل السُّنن).
[3] زيد في (ب): (☺).
[4] قوله: (الإمام) ليس في (أ).
[5] (من) ليس في (ب).
[6] في (ب): (أن يكون متصلًا).
[7] في (ب): (قال).
[8] زيد في (ب): (انتهى).