التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب: هل يدخل الجنب يده في الإناء

          (بَابٌ: هَل يُدْخِلُ الجُنُبُ يَدَهُ في الإنَاءِ قَبْلَ أنْ يَغْسِلَهَا...) إلى آخر التَّبويب... إلى (بَاب مَنْ تَوَضَّأَ في الجنابة، ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ...) إلى آخرها.
          سؤال: إن قلت: أين موضع التَّرجمة التي ذكرها البخاريُّ من الأحَادِيْث وأكثرها لا ذكر فيه لغسل اليد، وإنَّما جاء ذكر اليد في حديث هشام عن أبيه عن عائشة؟
          والجواب من وجوه؛ أحدها: أنَّ حديث هشام مفسِّر لمعنى(1) الباب، وذلك أنَّه حمل غسل اليد قبل إدخالها الإناء _الذي رواه هشام_ إذا خشي أنْ يكون قد علق بها شيء من أذى الجنابة أو غيرها، وما لا ذكر فيه لغسلها من الأحاديث؛ حملها على تعيُّن طهارة اليد، فاستعمل من اختلاف الأحاديث فائدتين جمع بهما بين(2) معانيها، وانتفى بذلك التَّعارض عنها، وقد روي هذا المعنى عنِ ابن عُمر.
          وجواب آخر أجاب به ابن المُنَيِّر: (لمَّا عُلِمَ أنَّ الغسل إمَّا لحدث حُكْميٍّ أو لحادث عينيٍّ، وقد فُرِض الكلام فيمن ليس في يده حادثُ نجاسة ولا قذر؛ بقي(3) أنْ يكون بيده حَدَثٌ حكميٌّ يمنع إدخالها الإناء(4)، لكنَّ الحدث ليس بمانع؛ لأنَّ الجنابة لو كانت تتَّصل بالماء؛ لما جاز للجنب أنْ يُدخل يده في الإناء حتَّى يكمِّل طهارته ويزول حدث الجنابة عنه، فلمَّا تحقَّق جواز إدخالها في الإناء في ابتداء الغسل؛ عُلِم أنَّ الجنابة ليست تؤثِّر في منع مباشرة الماء باليد، فلا مانع إذًا في إدخالها أوَّلًا؛ كإدخالها وسطًا، وحقَّق(5) ذلك أنَّ الذِي ينتضح من بدن الجنابة طاهرٌ لا تضرُّ(6) مخالطته لماء الغسل؛ فتفهَّمه، واعلم أنَّ الشَّارح _يعني: ابن بطَّال_ أبعدَ عن مقصوده، والله أعلم).
          الثَّالث: أنَّ الحديث الثَّاني ظاهر فيه، وأمَّا الأوَّل؛ فقولها: (تختلف أيدينا فيه)؛ إذ لو غسلا أيديهما قبل إدخالها(7) الإناء؛ لقالت: (تختلف أيدينا منه)، أو(8) بيَّنت أنَّ في البعض: (تختلف أيدينا فيه)، والبعض: (تختلف أيدينا مِنْهُ)، وباقي الباب مستطرد لبقيَّة أسانيد الحديث.
          الرَّابع: أنَّه يحتمل أنَّه لمَّا ذكر جُلَّ الأحاديث بدون غسل اليد؛ عُلِمَ أنَّ تَرْكَه كافٍ في الغسل؛ إذ لو لَمْ يكن كافيًا؛ لذكره في كلِّها.
          ويحتمل خامسًا: وهو أنَّ البخاريَّ لمَّا ذكر في بعض طرق حديث عائشة غسل اليد ولم يذكرها(9) في الباقي جريًا على عادته في الأصل؛ ذَكَرَ الحديث وتَرْكَ اللَّفظ المستنبَط منه المعنى المحتاج إليه فيه، ويكون مراده تبحُّر(10) المستنبِط مِنْ طرق الأحاديث واستخراج المقصود مِنْهُ، وقد روى مُسْلِم من حديث أبي سلمة عن عائشة ♦ قالت: (كان رسول الله صلعم إذا اغتسل؛ بدأ بيمينه، فصبَّ عليها الماء فغسلها)، وفي آخره: (وكنت أغتسل أنا وهو من إناء واحد)، ذكر ذلك شيخنا الشَّارح برمَّته، غير أنَّ كلام ابن المُنَيِّر لَمْ أنقله من الشَّرح وهو فيه، وإنَّما ذكرته من «تراجم ابن المُنَيِّر» ► تَعَالَى.
          قوله في التَّبويب: (غَيْرُ الجَنَابَةِ): (غيرُ): بالرفع، وهذا ظاهر.
          قوله: (وَأَدْخَلَ ابْنُ عُمَرَ وَالبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ يَدَهُ): أي: أدخل كلُّ واحدٍ منهما يدَه.
          قوله: (مِنْ غُسْلِ الجَنَابَةِ): هو بضمِّ الغين الماءُ، ويجوز فتحها، وبهما ضُبِط في أصلنا.


[1] في (ج): (بمعنى).
[2] في (ب): (من).
[3] في (ج): (نفى).
[4] في (ب): (الآن).
[5] في (ب): (وتحقق)، وفي (ج): (وحقيق).
[6] في (ب): (يضر).
[7] في (ج): (إدخالهما).
[8] في (ب): (و).
[9] في (ج): (يذكر هنا).
[10] في (ج): (بتخير).