الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: لما بلغ أبا ذرّ مبعث النبي بمكة

          1067- الثَّاني والتِّسعون: في إسلام أبي ذرٍّ ☺ عن أبي جَمْرةَ عن ابنِ عبَّاسٍ _من رواية عبد الرَّحمن بن مَهديٍّ_ قال: «لمَّا بلغ أبا ذرٍّ مبعثُ النَّبيِّ صلعم بمكَّةَ، قال لأخيه: اركبْ إلى هذا الوادي فاعْلَم لي عِلم هذا الرَّجل الَّذي يَزعُم أنَّه يأتيه الخبرُ من السَّماء، واسمَع قولَه، ثمَّ / ائتِني. فانطلق حتَّى قدم مكَّة، وسَمِع من قوله، ثمَّ رجَع إلى أبي ذرٍّ، فقال: رأيتُه يأمرُ بمكارمِ الأخلاقِ، وكلاماً ما هو بالشِّعر، فقال: ما شَفيتَني فيما أرَدتُ.
          فتزوَّد وحمل شَنَّةً(1) له فيها ماء حتَّى قَدِمَ مكَّة، فأتَى المسجدَ، فالتَمسَ النَّبيَّ صلعم ولا يَعرفُه، وكَرِه أن يَسأل عنه، حتَّى أدركَه اللَّيل فاضطَجَع، فرآه عليُّ بن أبي طالب، فعرَف أنَّه غريبٌ، فلمَّا رآه تَبِعَه، فلم يَسأل واحدٌ منهما صاحبَه عن شيءٍ حتَّى أصبَح، ثمَّ احتَمَل قِربتَه وزادَه إلى المسجد، فظلَّ ذلك اليومَ ولا يرى النَّبيَّ صلعم حتَّى أمسى، فعاد إلى مَضجَعه، فمرَّ به عليٌّ، فقال: ما أنَى(2) للرَّجل أن يعرِفَ منزلَه؟ فأقامه فذَهب به معه، ولا يَسأل واحدٌ منهما صاحبه عن شيءٍ، حتَّى إذا كان يومُ الثَّالثة فعل مثلَ ذلك، فأقامه عليٌّ معه، ثمَّ قال له: ألا تحدِّثُني ما الَّذي أقدَمك هذا البلد؟.
          قال: إن أعطيتني عهداً وميثاقاً لَتُرشِدَنِّي فعلتُ، ففعَل، فأخبَره، فقال: فإنَّه حقٌّ، وهو رسولُ الله صلعم، فإذا أصبحتَ فاتَّبِعني، فإنِّي إن رأيت شيئاً أخاف عليك قمت كأنِّي أُرِيقُ الماء، فإن مضيتُ فاتَّبعني حتَّى تدخل مَدخلي، ففعَل، فانطَلق يَقفوه حتَّى دخَل على النَّبيِّ صلعم ودخَل معه، فسَمِع من قوله، وأسلمَ مكانه، فقال له النَّبيُّ صلعم: ارجع إلى قومِك، فأخبِرهم حتَّى يأتيَكَ أمري.
          فقال: والَّذي نفسي بيده! لأصرخنَّ بها بين ظهرانيهم، فخرَج حتَّى أتى المسجدَ، فنادى بأعلى صوته: أشهدُ أن لا إله إلَّا الله وأنَّ محمَّداً رسول الله، وثار القوم فضربوه حتَّى أضجَعوه، وأتى العبَّاس فأكبَّ عليه، فقال: ويلكم! ألستم تعلمون أنَّه من غِفار، وأنَّ طريق تُجَّارِكُم إلى الشَّام _يعني عليهم_ فأنقذه منهم، / ثمَّ عاد من الغد لمثلها، وثاروا إليه، فضربوه فأكبَّ عليه العبَّاس فأنقذه». [خ¦3861]


[1] الشَّنَّة: القِربة البالية.
[2] أَنَى وآن بمعنى حان.