الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: أهدت خالتي أم حفيد إلى رسول الله

          1041- السَّادس والسِّتُّون: عن أبي بِشرٍ جَعفرِ بن إياس _وهو ابنُ أبي وحشيَّة اليَشكُريُّ_ عن سعيد بن جُبير عن ابنِ عبَّاسٍ قال: «أهدَت خالتي أمُّ حُفَيدٍ إلى رسول الله صلعم سمناً وأقِطاً(1) وأضُبَّاً(2)، فأكَل من السَّمن والأقِط، وترَك الضَّبَّ تقذُّراً.
          وأُكِلَ على مائدةِ رسول الله صلعم، ولو كان حراماً ما أُكِلَ على مائدةِ رسول الله صلعم». [خ¦2575]
          وفي حديث أبي النُّعمان وغيره: «أنَّ أمَّ حُفَيد بنتَ الحارثِ بنِ حَزن خالةَ ابنِ عبَّاسٍ أهدَت إلى رسول الله صلعم سَمناً وأقِطاً وأضُبَّاً، فدعا بهنَّ، فأُكِلنَ على مائدته وترَكهنَّ كالمتقذِّر لهنَّ، ولو كُنَّ حراماً ما أُكلنَ على مائدةِ النَّبيِّ صلعم، / ولا أمَر بأكلِهنَّ». [خ¦5389]
          وأخرجا معناه من حديث أبي أُمامَةَ بنِ سهلِ بنِ حُنيفٍ، واختلف فيه عنه:
          فقيل: عنه عن ابنِ عبَّاسٍ قال: «دخَلتُ أنا وخالدُ بن الوليد مع رسول الله صلعم بيت ميمونةَ، فأُتي بضَبٍّ مَحنوذٍ(3)، فأهوى إليه رسولُ الله صلعم بيده، فقال بعضُ النِّسوة اللاتي في بيتِ ميمونةَ: أخبِروا رسولَ الله صلعم بما يريدُ أن يأكُل، فرفَع رسولُ الله صلعم يدَه، فقلت: أحرامٌ هو يا رسولَ الله؟ قال: لا، ولكنَّه لم يكن بأرض قومي، فأجدُني أعافُه(4).
          قال خالدٌ: فاجتررتُه فأكلتُه ورسولُ الله صلعم ينظُر».
          هكذا في رواية يحيى بنِ يحيى عن مالك، وفي رواية عبدِ الرزاق عن مَعمرٍ، كلاهما عن الزُّهريِّ عن أبي أُمامةَ.
          وفي حديث محمَّد بن المُنكَدر عن أبي أُمامةَ عن ابنِ عبَّاسٍ قال: «أُتي رسول الله صلعم وهو في بيت ميمونةَ _وعنده خالدُ بنُ الوليد_ بلحم ضَبٍّ»، ثمَّ ذَكر معناه.
          ومنهم من قال فيه: عن ابنِ عبَّاسٍ عن خالد بن الوليد: «أنَّه أخبَره أنَّه دخل مع رسول الله صلعم على ميمونةَ زوج النَّبيِّ صلعم، وهي خالتُه وخالةُ ابنِ عبَّاسٍ، فوجَد عندها ضَبَّاً مَحنوذاً، قدِمَت به أختُها حُفَيدة بنتُ الحارثِ من نجدٍ. / _قال بعض الرُّواة: وكانت تحتَ رجلٍ من بني جعفر_ فقدَّمتِ الضَّبَّ لرسول الله صلعم، وكان قلَّما يقدِّم يديه لطعامٍ حتَّى يُحدَّثَ به ويُسمَّى له، فأهوى رسولُ الله صلعم بيده إلى الضَّبِّ، فقالتِ امرأةٌ من النِّسوة الحضور: أخبِرنَ رسولَ الله صلعم بما قدَّمتنَّ له، قُلْن: هو الضَّبُّ يا رسول الله؛ فرفَع رسولُ الله صلعم يده، فقال خالدُ بنُ الوليد: أحرامٌ الضَّبُّ يا رسول الله؟ قال: لا؛ ولكن لم يكُن بأرضِ قومي، فأجدُني أعافُه.
          قال خالدٌ: فاجتررتُه فأكلتُه ورسولُ الله صلعم ينظُر، فلم ينهَنِي».
          وهكذا في روايةِ ابنِ المباركِ عن يونسَ. [خ¦5391]
          وفي روايةِ هشامِ بنِ يوسُفَ عن مَعمرٍ. [خ¦5400]
          وفي روايةِ القَعنبيِّ عن مالكٍ. [خ¦5537]
          وعلى هذه الرِّوايات عَوَّل البخاريُّ في أنَّه من مسنَد خالدِ بنِ الوليدِ، وقد أخرَج مسلم الرِّواياتِ بالوَجهَين في كتابه.
          وقد أخرجه مسلم أيضاً من حديث يزيد بنِ الأصمِّ، قال: دعانا عروسٌ بالمدينة، فقرَّب إلينا ثلاثةَ عشرَ ضَبَّاً، فآكِلٌ وتاركٌ، فلقِيت ابنَ عبَّاسٍ من الغَد فأخبَرتُه، فأكثرَ القومُ حولَه، حتَّى قال بعضهم: قال رسول الله صلعم: «لا آكلُه، ولا أنهى عنه، ولا أحرِّمُه».
          فقال ابن عبَّاسٍ: «بئسَ ما قلتم، ما بُعث نبيُّ الله صلعم إلا مُحلًّا ومُحرِّماً، إنَّ رسولَ الله صلعم بينما هو عند ميمونةَ وعنده الفضل بنُ عبَّاس وخالدُ بن الوليد وامرأةٌ أخرى، إذ قُرِّبَ إليهم خِوانٌ عليه لحمٌ، فلمَّا أراد النَّبيُّ صلعم أن يأكل قالت له ميمونةُ: إنَّه لحم ضَبٍّ، فكفَّ يده، وقال: هذا لحمٌ لم آكلْه قطُّ. /
          وقال لهم: كلوا. فأكَل منه الفضلُ وخالدُ بنُ الوليد والمرأةُ، وقالت ميمونةُ: لا آكل من شيءٍ إلا شيئاً يأكُل منه رسولُ الله صلعم».


[1] الأَقْـِطُ: شيء يُصنَعُ من اللبَن فيجفَّف.
[2] الضَّبُّ: من دوابِّ بادية الحجاز، معروفٌ عندهم.
[3] المَحْنوذُ: المشويُّ.
[4] عافَ الشيء من الطعام والشراب إذا كرِهه، يعافُه عِيافاً.