الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: كانوا يرون أن العمرة في أشهر الحج

          1011- السَّادس والثَّلاثون: عن عبد الله بن طاوُس عن أبيه عن ابنِ عبَّاسٍ قال: «كانوا يرون أنَّ العمرَةَ في أشهر الحجِّ من أفجر الفجور(1) في الأرض، وكانوا يُسَمُّونَ المحرَّمَ صفر، ويقولون: إذا برَأ الدَّبَر، وعفا الأثر(2)، وانسَلخ صفر، حَلَّت العمرةُ لمن اعتمر، قال: فقدِم رسول الله صلعم وأصحابُه صبيحة رابعةٍ مُهِلِّينَ(3) بالحجِّ، فأمرَهم النَّبيُّ صلعم أن يجعلوها عمرةً، فتعاظم ذلك عندهم، فقالوا: يا رسول الله؛ أيُّ الحِلِّ؟ قال: الحِلُّ كلُّه». [خ¦1564]
          قال البخاريُّ: قال ابن المديني: قال لنا سفيان: كان عمرو يقول: إنَّ هذا / الحديث له شأنٌ(4).
          وأخرجا هذا المعنى من حديث أبي العالية البرَّاء _قيل: اسمه زياد، وقيل: كلثومُ بن فيروزَ_ عن ابنِ عبَّاسٍ قال: «قدِم النَّبيُّ صلعم وأصحابُه لصبح رابعةٍ يُلبُّونَ بالحجِّ(5)، فأمرَهم أن يجعلوها عمرةً، إلَّا من معه هديٌ». [خ¦1085]
          وفي حديث نصرِ بن عليٍّ: «أهلَّ رسول الله صلعم بالحجِّ، فقدم لأربعٍ مَضَينَ من ذي الحجَّة، فصلَّى الصُّبحَ، وقال حين صلَّى الصُّبحَ: مَن شاء أن يجعَلَهَا عمرةً فليجعَلْها عمرةً».
          ومنهم من قال: «فصلَّى الصُّبح بالبطحاءِ»، ومنهم من قال: «بذي طوى». /
          وعند مسلم من حديث مجاهدٍ عن ابنِ عبَّاسٍ قال: قال رسول الله صلعم: «هذه عمرةٌ استَمتَعنا بها، فمن لم يكن معه الهَدي فليَحِلَّ الحِلَّ كُلَّه؛ فإنَّ العمرةَ قد دخَلت في الحجِّ إلى يومِ القيامَةِ».


[1] أصل الفُجور: الميل عن الواجب، ويقال: للكاذب فاجرٌ، وللمكذِّب بالحقِّ فاجرٌ.
[2] عفا الأثَرُ: أي محي وذهب وغطَّاه التراب، وقوله تعالى: {عَفَا اللّهُ عَنكَ} [التوبة:43] أي: محى الله عنك، والعفو: محو الذنب، وقد يكون عفا في موضع آخرَ بمعنى كثُر، ومنه قوله تعالى: {حَتَّى عَفَواْ} [الأعراف:95] أي: كثروا.
[3] الإهْلالُ: رفعُ الصوت بالتلبية.
[4] جاء هذا القول في نسختنا من رواية البخاري ░3833▒ بعد حديث سعيد بن المسيب عن أبيه عن جده قال: «جاء سيلٌ في الجاهلية فكسا ما بينَ الجبلين»، قال الحافظ في «الفتح» ░7/150▒: له شأن أي قصة، ثم ذكر قصة بنيان الكعبة قبل المبعث النبوي.
[5] يقال لبَّى بالحج: إذا قال: لبَّيك اللهم لبيك، وفي لبيك كلامٌ؛ يقال: نُصبَ على المصدر، وقال أبو بكر ابن الأنباريِّ: فيه أربعة أقوالٍ:
أحدها: إجابتي لك يا ربُّ، من لبَّ بالمكان، وألبَّ به إذا أقامَ، وقالوا: لبَّيك فثنُّوا، أرادوا إجابةً بعد إجابةٍ، كما قالوا: حنانَيك أي رحمةً بعد رحمةٍ.
والوجه الثاني: توجُّهي إليك يا ربُّ وقصدي، فثنَّى للتوكيد، من قولهم: داري تُلِبُّ دارك أي تواجهها.
والثالث: محبتي لك يا ربُّ، من قول العرب امرأةٌ لبَّة: أي محبة لولدها عاطفة عليه، قال الشاعر: (وكنتم كأمٍّ لبَّةٍ طَعنَ ابنُها).
والرابع: إخلاصٌ لك يا ربُّ، من قولهم حسَبٌ لُبابٌ: إذا كان خالصاً محضاً، ولُبُّ الطعام ولُبابُه من ذلك.