التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

باب الطيرة

          ░43▒ (بابُ الطِّيَرَةِ).
          هي بكسر الطَّاء المهملة وفتح المثناة مِن تحت، وقد تُسكَّن، و(الطِّيَرَةُ) التشاؤم بالشيء مصدر تطيَّر، يقال: تطيَّر طِيرة، مثل تخيَّر خِيَرة، ولم يجئْ مِن المصادر غيرهما، وأصله فيما يُقال: التطيُّر / بالسَّوانح والبَوارح (1) مِن الطَّير وغيره، وكان ذلك يصدُّهم عن مقاصدهم، كانوا ينفرون الطيور فإن أخذ ذات اليمين تبرَّكوا به ومضوا في حوائجهم، وإن أخذت ذات الشِّمال رجعوا عن ذلك وتشاءموا بها، فأبطله الشَّارع وأخبر بأنَّه لا تأثير له في نفعٍ ولا ضرٍّ، وفي الحديث: ((الطيرة شرك، وما منَّا (2) ولكنَّ الله يذهبه بالتوكُّل))، كذا جاء مقطوعًا ولم يذكر المستثنى، وحُذف اختصارًا واعتمادًا على فهم السامع، وهو كالحديث الاخر: ((ما منَّا إلَّا مَن همَّ أو لمَّ إلَّا يحيى بن زكريا))، لكنَّه أظهر المستثنى.
          وقيل إنْ قولَه: (ما منَّا) قولُ ابن مسعود أدرجه في الحديث، وإنَّما جعل الطِّيرة شِركًا (3) لأنهم كانوا يعتقدون أنَّ التَّطيُّر يجلب لهم نفعًا أو يدفع عنهم ضررًا إذا عملوا بموجبه، فكأنَّهم أشركوا مع الله في ذلك. ومعنى: (وَلَكِنَّ اللَّهَ يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ) أنَّه إذا خطر له عارض التَّطيُّر توكَّل على الله وسلَّم إليه ولم يعمل بذلك الخاطر ولم (4) يُؤاخذ به.


[1] في الأصل:((في البوارح)).
[2] كذا في الأصل.والصواب:((وما منا إلا)).
[3] في الأصل:((مشترك)).
[4] في الأصل:((لم)) بلا واو.