التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

باب رعي الغنم على قراريط

          ░2▒ (باب رَعْيِ الغَنَمِ عَلَى قَرَارِيطَ)
          هو جمع قيراط، وهو نصف دانق، والدانق: سدس درهم؛ إذ الدرهم ستة دوانق، وقيل: القيراط: نصب عشر الدينار، وقيل: هو جزء من أربعة وعشرين جزءًا، أي: كان أجرة الراعي القراريط، وقال بعضهم: قراريط: موضع بمكَّة بقرب جياد قاله الحربي، ويدل له رواية النسائي: ((وأنا أرعى غنمًا لأهلي بجياد)) ذكره في / في تفسير سورة طه، وقال صاحب «مرآة الزمان»: أهل مكَّة ينكرون أن يكون بنواحي مكَّة موضع يقال له: قراريط، وإنَّما أراد به: القراريط التي من الفضة، وهو نصف دانق، ولهذا لم نعرفه بالألف، ثمَّ ذكر حديث (أرعى غنمًا لأهلي بجياد)، وهذا يدل على أن رعاتها إنَّما كانت لأهلي بجياد، وهذا يدل على أن رعاتها إنَّما كانت لأهله لا لقراريط كما قالوه عن عائشة، ويدل له أيضًا: أن العرب لم تكن تعرف القيراط، وأخبر أنَّ مصر تُفتح، ويذكر فيها القراريط، ولهذا لم يبوب البخاري على الاستئجار لرعيها؛ لأنَّه لم يذكر الأجرة، ويجوز أن يكون تركه إعطاء بالجانبة، ولما رواه ابن ماجه قال: ((كنت أرعاها لأهل مكَّة بالقراريط))، ثمَّ قال: قال سويد يعني: ابن سعيد أحد رواته: يعني: كل شاة بقيراط، وهو دليل للقول بأنَّه رعاها بالأجرة.
          قال ابن الجوزي: والذي قاله الحربي أصح، وصححه ابن ناصر الحافظ أيضًا، قال: وأخطأ سويد في تفسيره، وكان رعيه صلعم الغنم وسنه نحو العشرين، فما استقرئ من كلام ابن إسحاق الواقدي وغيرهما قالوا: والحكم في رعي الأنبياء الغنم أن ذلك جعل تقدمة وتوطئة في تعريف النَّبي سياسة العباد، وما يجب على راعيها من اختيار الكلإ لها وإيرادها أفضل مواردها واختيار المسرح والمراح لها وجبر كسرها والرفق لضعيفها وحسن تعاهدها، فإذا وقف على هذه الأمور كانت ميالًا لرعاية العباد حكمة بالغة، وخصت بالغنم؛ لأنَّها أسرع انقيادًا، وهي من دواب الجنة، وبمخالطتها يزيد لهم الحلم والشفقة، فإنهم إذا صبروا على مشقة الرعي وعلى جمع الغنم مع اختلاف طبائعها وتفرقها في المرعى ومع ضعفها واحتياجها، فصدهم على ميثاق الأمة مع الاختلافات التي في أصنافهم وطبائعهم وعلى الاهتمام لشأنهم وحفظ أحوالهم أولى وأحرى، فلا تضجر نفوسهم من ذلك لتعودهم له.