التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب شراب الحلواء والعسل

          قوله: (شرْبُ(1) الْحَلْوَاءِ): تَقَدَّمَ ما (الحلواء)، وأنَّها بالمدِّ والقصر [خ¦5268]، قال ابن قُرقُول: («الحلواء»: ممدودةٌ عند أكثرهم، والأصمعيُّ يقصرُها، وحكى أبو عليٍّ الوجهين، وقال اللَّيث: الحلواءُ؛ ممدودة، وهو كلُّ شيء حُلو يُؤكَل)، وقال شيخنا: («الحلواء»: فيها ثلاثة أقوال؛ قول الخَطَّابيِّ: إنَّها ما يُصنَع مِن العسل ونحوِه، وقال الدَّاوديُّ: هو النَّقيع الحُلْو، وعليه يدلُّ تبويبُ البُخاريِّ: «شرْب الحلواء»، وقال أيضًا: «هو التمر ونحوه مِن الثمار»...) إلى أن قال: (وعبارة ابن بَطَّال: «كلُّ شيء حُلْوٍ») انتهى.
          قوله: (وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَا يَحِلُّ شُرْبُ بَوْلِ النَّاسِ لِشِدَّةٍ تَنْزِلُ؛ لأَنَّهُ رِجْسٌ): أمَّا (الزُّهريُّ)؛ فقد تَقَدَّمَ مِرارًا أنَّه أحد الأعلام، مُحَمَّد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزُّهريُّ، وأمَّا كلامه؛ فيُستثنَى منه بولُ رسولِ الله صلعم، وقد يخرُجُ مِن كلامه مِن قوله: (لأنَّه رِجسٌ)؛ وذلك لأنَّ بولَه صلعم شفاءٌ وبركةٌ، وقد شربت أمُّ أيمن بركةُ حاضنةُ النَّبيِّ صلعم بولَهُ، وقيل: إنَّ التي شربت بولَه بركةُ جاريةُ أمِّ حبيبة، فقال: «إذن لا يبجع(2) بطنُك بعدَه أبدًا»؛ رواه الحاكم في «مستدركه» في ترجمة أمِّ أيمن بركةَ حاضةِ النَّبيِّ صلعم جارِيَتِه، وعن الدارقطنيِّ: أنَّ حديث المرأة التي شربت بولَه حديثٌ صحيحٌ، وعن «العلل» له: أنَّه مضطرب، وأنَّ الاضطراب جاء من جهة أبي مالكٍ النَّخَعيِّ، وأنَّه ضعيفٌ، وأبو مالك هذا في رواية الحاكم، واسمه عبد الملك بن حسين، أبو مالك النَّخَعيُّ الكوفيُّ، له ترجمة في «الميزان»، وقد أخرج له ابن ماجه، وقد شرب بولَه أيضًا صلعم امرأةٌ أخرى يُقال لها: أمُّ يوسف، واسمها أيضًا بركةُ، ذكره شيخُنا البلقينيُّ، والكلام في فَضَلاتِه صلعم عند الشَّافِعيَّة معروفٌ، وقد شرب دَمَه جماعةٌ؛ منهم: سَفينة، كما رواه البَيْهَقيُّ، وأبو طيبة الحجَّام، ومالك بن سنان الخُدْريُّ يوم أُحُد؛ ذكره أهلُ السِّيَر، وهو في «المستدرك»، وتعقَّبه الذَّهَبيُّ، وشَرِبَ دمَه أيضًا عبدُ الله بن الزُّبَير، وشرب أيضًا دمَه عليُّ بن أبي طالب، ذكره الرافعيُّ في «الشرح الكبير»، ولم يرَه شيخُنا مخرِّجُ أحاديثِ «الرافعيِّ» شارحُ هذا الكتاب، فهؤلاء جماعةٌ أيضًا، وشخصٌ آخَرُ حجَّامٌ اسمه سالمٌ، شَرِبَ دَمَه.
          قوله: (وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي السَّكَرِ): هو بفتح السين والكاف المخفَّفة، قال الجوهريُّ: («السَّكَر» بالفتح: نبيذ التمر، وفي التنزيل: {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا}[النحل:67]) انتهى، و(السَّكَر) في الآية: فيه أقوال: قال شيخنا: (وقد اختُلِف في «السَّكَر»؛ فقيل: هو الخمر، وبه جزم الدِّمْيَاطيُّ، وقيل: ما كان شربُه حلالًا؛ كالنَّبيذ والخلِّ، وقيل: هو النَّبيذ)، ثُمَّ نقل كلام الجوهريِّ، انتهى، وأمَّا قول ابن مسعود: (إِنَّ اللهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ)؛ هو هنا موقوفٌ على ابن مسعود من قوله، وقد رواه البَيْهَقيُّ من حديث أمِّ سلمة، وصحَّحه ابن حِبَّان، وقد روى مسلم في «صحيحه» من حديث طارق بن سُوَيد الجعفيِّ: «إنَّه ليس بدواءٍ، ولكنَّه(3) داءٌ»، وفي «أبي داود» و«ابن ماجه»: «إنَّما ذلك داء، وليس بشفاء»، والله أعلم، وأمَّا التداوي بالأشياء النجسة؛ فمذهب الشَّافِعيِّ: جوازُه إلَّا الخمرَ بشرطَين، وسأذكر ذلك في (كتاب الطبِّ) والله أعلم [خ¦5781]، وقد ذكرتُهما في أوائل هذا التعليق أيضًا [خ¦233].


[1] كذا في (أ)، وفي «اليونينيَّة» و(ق): (شراب).
[2] كذا في (أ)، وفي المطبوع من مصدره: (يفجع).
[3] في (أ): (ولكنَّها)، والمثبت من مصدره.