التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب الباذق ومن نهى عن كل مسكر من الأشربة

          قوله: (بَابُ الْبَاذَقِ): هو بالباء الموحَّدة، وبعد الألف ذالٌ معجمةٌ مفتوحةٌ، كذا قَيَّدهُ بفتحها ابن قُرقُول وابنُ الأثير، قال الدِّمْيَاطيُّ: (المطبوخ من عصير العنب كان أوَّل مَن صنعه وسمَّاه بنو أُمَيَّة؛ لينقلوه عن اسم الخمر، وكلُّ مُسكِر، فهو خمرٌ؛ لأنَّ الاسم لا ينقله عن معناه الموجود فيه)، انتهى، وما قاله هو نحو لفظ ابن قُرقُول في «مطالعه»، وكأنَّه أخذه منه أو من القاضي عياض وغيَّره قليلًا جدًّا، وفي «النِّهاية»: (الباذَق): (هو بفتح الذال _يعني: المُعْجَمة_: الخمرُ، تعريب «باذه»؛ وهو اسم الخمر بالفارسيَّة)، وقَيَّدهُ شيخنا أيضًا بفتح الذال المُعْجَمة، ثُمَّ قال: (وما ذكرتُه مِن فتح الذَّال هو ما قال ابن التِّين / أنَّه ضبطه به، ونقل عن الشيخ أبي الحسن عن بعض الحُذَّاق أنَّه اسمٌ حَدَثَ بعد رسول الله صلعم، ولم يكن قديمًا في العرب، وسُئِل عن فتح الذَّال، فقال: ما وقفناهم عليه، ولكن الذي(1) قرؤوا بكسرها)، انتهى.
          قوله: (وَرَأَى عُمَرُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَمُعَاذٌ شُرْبَ الطِّلَاءِ): أمَّا (عمر) فهو ابن الخطَّاب الفاروق، و(أبو عُبَيدة): عامر بن عبد الله بن الجرَّاح، أمين الأمَّة، تَقَدَّمَ، وأحد العشرة، و(معاذ): هو ابن جبل، تَقَدَّمَ أيضًا.
          قوله: (شُرْبَ الطِّلَاءِ عَلَى الثُّلُثِ): (الطِّلاء)؛ بكسر الطاء المُهْمَلة، وبالمدِّ في آخره، قال الجوهريُّ: (ما طُبِخ مِن عصير العنب حتَّى ذهب ثلثاه، وتُسمِّيه العجم: المَيْبَخْتَج(2)، وبعض العرب تُسمِّي الخمرَ الطِّلاء؛ يريد بذلك تحسين اسمها، لا أنَّها الطِّلاءُ بعينها).
          قوله: (وَشَرِبَ الْبَرَاءُ وَأَبُو جُحَيْفَةَ): (البراء): هو ابن عازب، وعازب صَحَابيٌّ أيضًا، [و(أبو جحيفة)]: تَقَدَّمَ ضبطه غيرَ مَرَّةٍ، وأنَّه وهب بن عبد الله السُّوائيُّ، وتَقَدَّمَ الخلاف في اسمه واسم أبيه [خ¦187].
          قوله: (وَقَالَ عُمَرُ ☺: وَجَدْتُ مِنْ عُبَيْدِ اللهِ رِيحَ شَرَابٍ): (عبيد الله) هذا: هو ولده، وفي «النَّسَائيِّ»: عن السَّائب بن يزيد، عن عمر ☺ أنَّه خرج عليهم، فقال: (إنَّي وجدت مِن فلان ريحَ شرابٍ، فزعم أنَّه الطِّلاء، وإنِّي سائل عمَّا شَرِب، فإن كان يُسكِر؛ جلدتُه)، فجلده عمرُ الحدَّ تامَّا، (فلان): هو عبيد الله المشار إليه، وقد عزا ابن بشكوال تعيينه لحديث الزَّعفرانيِّ، وفي «جامع معمر» انتهى.
          تنبيهٌ: عبد الرحمن بن عمر الأوسط: هو أبو شحمة، وهو الذي ضربه عمرو بن العاصي بمصر في الخمر، ثُمَّ حمله إلى المدينة، فضربه أبوه أدبَ الوالد، ثُمَّ مرض، ومات بعد شهر، هكذا يرويه معمر، عن الزُّهريِّ، عن سالم، عن أبيه، وأمَّا أهل العراق؛ فيقولون: إنَّه مات تحت السِّياط، وذلك غلط، وقال الزُّبَير: (أقام عليه عمرُ حدَّ الشَّرابِ، فمرض فمات) انتهى.
          تنبيهٌ: القصَّة التي يذكرها القُصَّاص في المساجد والجوامع وتحت القلعة للعوامِّ في ضرب أبي شحمة في إقامة الحدِّ عليه بالزِّنى، ذكره ابن الجوزيِّ في أواخر «الموضوعات» في (الموضوع على الصَّحابة) بطوله، ثُمَّ قال: (حديثٌ موضوعٌ، كيف رُوِي؟ ومن أيِّ طريق نقل؟! وضعه جهَّال القُصَّاص؛ ليكون سببًا في تبكية العَوامِّ والنِّساء، ولقد أبدعوا فيه، وأتَوا بكلِّ قبيح، ونسبوا عمرَ إلى ما لا يليق، ونسبوا الصَّحابة إلى ما لا يليق بهم، وكلماته الرَّكيكة تدلُّ على وضعه، وبُعْدُهُ عَن أحكام الشَّرع يدلُّ على سوء فهم واضعِه)، ثُمَّ ذكر ما فيه مُخالفٌ للشَّرع... إلى آخر كلامه، وهو كلام حسن؛ انظرْه إن أردتَه، والله أعلم.


[1] في (أ): (الذين)، وعليها: (كذا)، والمثبت من مصدره.
[2] (المِنْبَخْتُّجَّ) كذا ضبطه في (أ)، والمثبت من مصدره.