التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار

          22- قوله: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ): هذا هو ابنُ أبي أويسٍ عبدِ الله بن عبد الله بن أويس بن مالك بن أبي عامر _واسم أبي عامر نافعٌ، كذا بخطِّ الدِّمياطيِّ، نقله تقيُّ الدين السُّبكيُّ عن خطِّه، انتهى، وقد وقعت تسميته بذلك في «البخاريِّ» و«مسلم» في غير هذا الحديث، وسيأتي ذلك قريبًا_ الأَصْبحيُّ، يروي عن خاله مالك الإمام، وأخيه عبد الحميد، وغيرِهم، وعنه: البخاريُّ، ومسلمٌ، وغيرُهما، تُوُفِّيَ سنة ░226هـ▒، أخرج له البخاريُّ، ومسلم، وأبو داود، والترمذيُّ، وابن ماجه، له ترجمة في «الميزان».
          تنبيهٌ: نقل شيخنا المؤلِّف في أوَّل «شرحه على البخاريِّ» فيما قرأته عليه: (أنَّه أقرَّ على نفسه بالوضع فيما حكاه النَّسائيُّ عن سلمة بن شبيب عنه)، انتهى، وقد ذكرتُ مَن رُمِيَ بالوضع في مؤلَّفٍ مفرد، فبلغوا جماعةً كثيرةً؛ فسارعْ إليه إن أردتَه.
          قوله: (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ): تقدَّم أنَّه سعد بن مالك بن سنان، وأنَّ (الخُدْرِيَّ) بالخاء المعجمة، والدَّال المهملة، صحابيٌّ جليل.
          قوله: (مِثْقَالُ حَبَّةٍ): (المِثقال): وزنٌ مقدَّرٌ، اللهُ(1) أعلم بقَدره، وليس المراد المقدَّر هذا المعلوم، فقد جاء مُبيَّنًا: «وكان في قلبه مِن الخير(2) ما يزِنُ بُرَّةً» [خ¦7410].
          قوله: (حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ): الحبَّةُ من الخردل هنا مَثَلٌ؛ لتكون(3) عيارًا في المعرفة، وليس بعيار في الوزن؛ لأنَّ الإيمان ليس بجسم يَحصُره الوزن، ولكن ما يشكل منَ المعقول، فإنَّه يُرَدُّ إلى عيار المحسوس؛ ليُفهَم، كذا عنِ الخطَّابيِّ، وقال غيره: يُجعَل عمل العبد _وهو عَرَض_ في جسم على مقدار العمل عند الله، ثُمَّ يُوزن، وفيه قوَّةٌ، وسيأتي الكلام على ذلك في آخر «الصحيح» في قول البخاريِّ: (وأنَّ أعمالَ بني آدمَ وقولَهم يُوزَنُ) [خ¦97/58-11140]، ويأتي قبل ذلك: أنَّ الموت وإن كان معنًى فإنَّه يُجَسِّدُه الله ╡ [خ¦4730]، ويأتي في (سورة النساء) كم زِنة حبَّة الخردل؟ [خ¦4580].
          فائدة: المراد بـ(حبَّة الخردل): زيادة على أصل التوحيد، وقد جاء في «الصحيح» بيان ذلك، ففي روايةٍ: «أَخرِجوا مَن قال: لا إله إلَّا الله، وعمل من الخير ما يزن كذا» [خ¦7410]، ثُمَّ بعد هذا يُخرج منها من لَمْ يعمل خيرًا قطُّ غير التوحيد مرَّة واحدة ليس معه من الحسنات شيءٌ غيرُه؛ لما روى البخاريُّ في أواخر(4) «الصحيح» عن عليِّ بن معبد في حديث الشفاعة من حديث الحسن عن أنس: «ثُمَّ أرجع إلى ربِّي في الرابعة، فأحمده بتلك المحامد، ثُمَّ أخِرُّ له ساجدًا»، قال: «فيقال لي: يا محمَّد؛ ارفع رأسك، وقل؛ يُسْمعْ لك، وسلْ؛ تعطَه، واشفعْ؛ تُشفَّع، فأقول: يا ربِّ؛ ائذن لي فيمن قال: لا إله إلا الله، قال: ليس ذلك لك _أو قال: ليس ذلك إليك_ ولكن وعزِّتي وكبريائي وعظمتي وجبريائي؛ لَأُخرجَنَّ منها مَن قال: لا إله إلَّا الله»، انتهى [خ¦7510]، فشفاعةُ النَّبيِّ صلعم والملائكةِ والنبيِّين والمؤمنين لمَن كان له عملٌ زائدٌ على مجرَّد التصديق، ومَن لم يكن معه مع الإيمان المذكور خيرٌ(5)؛ [فهو] من الذين يتفضَّل الله عليهم، فيخرجهم من النَّار فضلًا وكرمًا(6).
          قوله: (الْحَيَا): هو مقصورٌ، ومدَّه الأصيليُّ، وهو غلطٌ، والمراد: كلُّ ما يحيا به النَّاس، والحيا؛ بالقصر: المطر والخِصْب، فيُحيَون بعد غسلهم فيها، فلا يموتون، وتخصب(7) أجسامهم، وهذا النَّهر هو بين الصراط والجَنَّة، والدَّليلُ لذلك: ما روى مجاهدٌ عن أبي هريرة...؛ فذكر حديثًا، وفيه: «فيخرج أهل التَّوحيد منها إلى عين بين الجنَّة والصِّراط يقال لها: نهر الحياة، فيُرَشُّ عليهم من الماء».
          تنبيه(8): صرَّح البخاريُّ بأنَّ الشَّكَّ فيه مِن مالكٍ، ولم يُفصِح به مسلمٌ.
          قوله: (الْحِبَّةُ): هي بكسر الحاء المهملة، وتشديد الموحَّدة، قال الفرَّاء: (هي بزور البقل)، وقال الكسائيُّ: (هي حبُّ الرَّياحين)، وقال أبو عمرو: (هو نبت ينبت في الحشيش صغار)، وقال النَّضر: (هو اسمٌ جامعٌ لحبوب البقل الذي ينتشر إذا هاجت، فإذا مطرت؛ نبت)، و(الِحبَّة): واحدة الحبِّ من عِنَبٍ وغيره، وحبُّ الِحبَّة التي في داخلها تُسمَّى حُبَة؛ بضمِّ الحاء وتخفيف الباء، قال الحربيُّ: (ما كان من النَّبت له حبٌّ(9)؛ فاسم(10) ذلك الحبِّ حُبَةٌ)، وقال غيره: فأمَّا الحنطة وغيرها؛ فهو الحبُّ، وقالوا: الحِبَّة فيما هوَ من حبوبٍ مختلفة، قال ابن دُرَيد: (هو جميعُ ما تحمله البقول من ثمرة، وجمعه حِبَبٌ)، وشبَّههم بها لأمرين؛ بياضها كما جاء في الحديث، والثاني: سرعة نباتها؛ لأنَّها تنبت في يوم وليلة، ولأنَّها ربَّما رَوِيَت من الماء وتردَّدت في غثاء السَّيل، وتيسَّرت قِلْبَتُها للخروج، فإذا خرجت في حميل السَّيل؛ غَرَزَت عروقها فيه لحِينها ونبتت بسرعة، قاله في «المطالع»، وفي كلام بعضهم: (بكسر الحاء: بزر الصحراء ممَّا ليس بقوت، وبالفتح: عكسه؛ كحبَّة الحنطة)، قال: (هذا أحسن الأقوال فيه).
          قوله: (فِي جَانِبِ السَّيْلِ): كذا هنا في أصلنا، وجاء (حميل السَّيل) بدل (جانب) [خ¦806]، وفي رواية وهيب في بعض طرق مسلم: «حَمِئَة السَّيل»، و(الحميل) بمعنى: المحمول، وهو ما جاء به من طينٍ أو غُثاء، و(الحمأة): ما تغيَّر لونه من الطِّين، وهو قريبٌ.
          قوله: (قَالَ وُهَيْبٌ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو: «الْحَيَاةِ»، وَقَالَ: «خَرْدَلٍ مِنْ خَيْرٍ»): إنَّما أتى بتعليق وُهَيب عن عمرو _وهو ابن يحيى المازنيُّ المذكورُ في السَّند_ لفوائدَ؛ الأولى: أنَّ فيها: (الحياة)؛ من غير شكٍّ، بخلاف رواية مالك، والثانية: أتى بالتحديث عن عمرو، ورواية مالك أتى فيها بـ(عن) وإنْ حُوشِيَ من التدليس، وقد تقدَّم أنَّ العنعنة مطلقًا فيها خلاف وإن كانت من غير مدلِّس [خ¦13]، الثالثة: أنَّ فيها: (من(11) خير) بدل (من إيمان)، وكذا أتى بها مسندةً في (صفة الجنَّة والنَّار) عن موسى، عن وهيب به [خ¦6560]، وأخرجه مسلمٌ في (الإيمان) عن أبي بكر ابن أبي شيبة، عن عفَّان، عن وُهَيب به، و(وُهَيب) المعلَّق عنه هنا: هو ابن خالد الباهليُّ الحافظ، ثقةٌ، يقال: (لَمْ يكن بعد شعبةَ أعلم بالرِّجال منه)، تُوُفِّيَ سنة ░165هـ▒، أخرج له الجماعة.


[1] في (ب): (والله).
[2] في (ب): (الخيرة).
[3] في (ب): (فيكون).
[4] في (ب): (آخر)، وكررت في هامش (أ): (آخر).
[5] في (ب): (خبر).
[6] زيد في هامش (ج) بخطِّ المؤلِّف: (بلغ الشيخ شمس الدين السلَّامي كاتب هذه النسخة سماعًا، ومعه جماعة كُتِبوا على نسخة القارئ، وأجزت له، كتبه إبراهيم المحدِّث).
[7] في (ب): (ويخصب).
[8] في (ب): (فائدة).
[9] (له): ليست في (ب).
[10] في (ب): (قائم).
[11] (من): ليست في (ج).