التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

باب: كل لهو باطل إذا شغله عن طاعة الله

          ░52▒ (بَابٌ: كُلُّ لَهْوٍ بَاطِلٌ إِذَا شَغَلَهُ عَنْ طَاعَةِ اللهِ، وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ: تَعَالَ أُقَامِرْكَ) وقوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ}[لقمان:6].
          اختلف المفسِّرون في اللهو في الآية، فقال الضَّحَّاك: الشِّركُ، وقال ابن مسعود: الغِناء وحَلَفَ عليهِ ثلاثًا، وقال: الغِناءُ يُنبِتُ النِّفاقَ في القلبِ، وقال مجاهد: وردَ أنَّ {لَهْوَ الْحَدِيثِ}[لقمان:6] في الآية الاستماع إلى الغناء وإلى مِثلِهِ مِن الباطل، وكذا قال ابنُ عباس وجماعةٌ مِن أهل التأويل أيضًا، ودلَّ قولهُ تعالى: {لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ}[لقمان:6]. على أنَّ اللهو اليسير الذي لا يشغلُ عن الطَّاعة، ولا يُضِلُّ عن ذِكرِ اللهِ غيرُ محرَّم، ألَا ترى كيف لم يمنع الجاريتين يوم العيد الغناءَ في بيت عائشة مِن أجل العيد، وقال للصدِّيقِ: ((دَعهُمَا يا أبَا بَكْر / فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيْدٍ))، وقوله لعائشة ♦ وقد زُفَّت امرأةٌ مِن الأنصارِ إلى زوجِها: ((مَا كَانَ مَعَكُم لَهوٌ، فإنَّ الأَنْصارَ يُعْجِبُهُمُ اللهو)) ولم يَنهَ بناتِ النَّجار حين لَقِينَهُ إلى ثنية الوداع يضربن الدُّفوف، ويقُلنَ:
طلع البدر علينا من ثنيات الوداع
          إلا أن يُقال: هذه أحوال رخَّص الشَّارع في الغناء فيها، فلا يتعدَّى الرُّخصة إلى غيرها، ولذلك حين دخل على الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ، حين بنى عليها وعندها جوَيريَّات يَندُبنَ مَن قُتل أباهُنَّ يومَ بدر، وقالت واحدة منهنَّ:
وفينا نبي يعلم ما كان في غدِ
          فقال: ((دَعِي هَذَا وَقُولِي مَا كُنتِ تَقُولِينَ مِن قَبلُ)).