التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

باب قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتًا}

          ░2▒ (بَابُ: قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا، وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا}[النور:26] إلى آخر الآيات.
          عن سعيد بن جبيرٍ أنَّ الاستئناس مِن الاستئذان، ورُوي عن مجاهدٍ أنَّه التنحنح والتنحِّي إذا أراد أن يدخل، وروى ابْن وهبٍ، عن مالكٍ أنَّه الجلوس.
          قال تعالى: {وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ}[الأحزاب:53]، وقال عمر حين دخل على رسول الله صلعم وهو معتزلٌ نساءه في المشربة: أستأنسْ يا رسول الله صلعم ، قال: ((نعم)) فجلس عمر. وقال إسماعيل: وأحسن مع الاستئناس والله أعلم. إنَّما هو أن يستأنس بأنَّ الَّذي يدخل عليه لا يَكره جلوسه، ويدلُّ عليه قول عمر ☺، فإنَّه يدلُّ على أنَّه أحبَّ أن يعلم أنَّه ◙ لا يكره جلوسه. والاستئناس: الإِعلام، ومنه قوله تعالى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا}[النساء:6] قال المهلَّب: ومعنى الأمر بالاستئذان: هو خوف أن يفجأ الرَّجل أهل البيت فيطَّلع عَلى عورةٍ فينظر مَا لا يحلُّ له، يدلُّ عليه قوله / ◙ : ((إنَّما جُعِلَ الاستئذان مِن قبل البَصر))، وقال الطَّحاويُّ: الاستئناس الاستئذان في لغة أهل اليمن، وهو موجود إلى الآن.
          قال الفرَّاء: تقول العرب: استأنسْ فانظرْ هل في الدَّار أحدٌ؟ يعني اسْتَأْذِنْ.
          مسألة: إذا استأذن ثلاثًا فلم يُؤذن له وظنَّ عدم سماعهم فأظهر المذاهب أنَّه ينصرف، والثَّاني: يزيد في الاستئذان. قال مالكٌ: لا بأس به، وهو تأويل قوله تعالى: {حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا}، والثَّالث: إن كان بلفظ الاستئذان المتقدِّم لم يُعدْه أو بغيره أعاده، وحجَّة الأوَّل قوله في الحديث: (فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ)، ومَن قال بالثَّاني حمل الحديث على مَن علمَ أو ظنَّ أنَّه سمعَه.
          قوله: (وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي الحَسَنِ) سعيدٌ: هو أخو الحسن البصريِّ، تابعيٌّ ثقةٌ، قال البخاريُّ: مات قبل الحسن في سنة مائة، ومات الحسن في رجبٍ سنة عشرٍ ومائةٍ.
          (إِنَّ نِسَاءَ العَجَمِ يَكْشِفْنَ صُدُورَهُنَّ وَرُؤوسَهُنَّ؟ قَالَ: اصْرِفْ بَصَرَكَ)، أي قال الحسن لأخيه: اصرفْ بصرك عنهنَّ.
          قوله: ({خَائِنَةَ الأَعْيُنِ}[غافر:19]) النَّظرة إلى ما نهى الله عنه.
          (خَائِنَةَ الأَعْيُنِ): صفةٌ للنظرة أي فعلة النَّظرة: المُسترقة إلى ما لا يحلُّ، وأمَّا خائنة الأعين التي هي مِن خصائص رسول الله صلعم : حُرمتها، فنهى الإيماء بالعين إلى مباحٍ مِن ضربٍ ونحوه، على خلاف ما يظهره بالقول.