التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب ميراث العبد النصراني ومكاتب النصراني

          قوله: (بَابُ مِيرَاثِ العَبْدِ النَّصْرَانِيِّ وَمُكَاتَبِ النَّصْرَانِيِّ): كذا في أصلنا هذه الترجمة، ولم يذكر فيها حديثًا، وفي أصلنا الدِّمَشْقيِّ هذه الترجمة مع زيادة: (وَإِثْمِ مَنِ انْتَفَى مِنْ وَلَدِهِ): قال ابن المُنَيِّر: لم يُدخِلِ البُخاريُّ تحت هذا الرسم حديثًا، وكأنَّه أدرجها تحت الحديث المتقدِّم؛ ليُفهَم أنَّ النظر فيها يحتمل أن يُقال: لا يرثه؛ عملًا بعموم الحديث، وأن يُقال: يأخذ المالَ؛ لأنَّ العبدَ مالٌ، وله انتزاعُ مالِه حيًّا، فكيف لا يأخذه ميِّتًا؟! هذا إن قلنا: إنَّه يملك، وإن قلنا: إنَّه لا يملك العبدُ ألبتَّة؛ فأَولى، انتهى.
          وقد رأيت حديثًا في «المستدرك» عن جابر، وفيه عنعنة أبي الزُّبَير عنه: أنَّ رسول الله صلعم قال: «لا يرث المسلمُ النصرانيَّ إلَّا أن يكون عبدَه أو أَمَتَه»، ثُمَّ قال: صحيحٌ، ولم يتعقَّبْه الذَّهَبيُّ في «تلخيصه»، قد رواه النَّسائيُّ، وأعلَّه ابنُ حزم بعنعنة أبي الزُّبَير عن جابر؛ كعادته في ردِّه عنعنةَ أبي الزُّبَير من غير طريق الليث، وأعلَّه ابن القَطَّان بمُحَمَّد بن عمرو اليافعيِّ الذي في سنده، وقال: إنَّه مجهولُ الحال، انتهى.
          وقد انفرد عنه ابن وهب، لكن أخرج له مسلمٌ في «صحيحه»، وذكره ابن حِبَّانَ في «ثقاته»، وقال أبو حاتم وأبو زرعة: شيخٌ، وقال الحاكمُ: صدوقُ الحديثِ صحيحٌ، وقال ابن عديٍّ: له مناكيرُ، وقد ذكر الذَّهَبيُّ منها هذا الحديثَ، وقال ابن يونس: روى عنه ابن وهب وحدَه غرائبَ.
          أمَّا إذا هلك العبد المعتَق الكافرُ وله معتِقٌ مسلمٌ؛ فإنَّه لا يرثه؛ عملًا بالحديث: «لا يرث المسلمُ الكافرَ...»؛ الحديث، وعن أحمد: أنَّه يرثه بالولاء، واختلاف الدين لا يمنع الإرث بالولاء، ولحديث «المستدرك»، ونقل هذا القاضي عبدُ الوهَّاب المالكيُّ عن الشَّافِعيِّ، لكنْ في «الأمِّ» خلافُه، والله أعلم، وفي «شرح التنبيه» لشيخنا الشارح: فرع: لو أعتق المسلمُ عبدًا كافرًا ومات؛ ورثه عندنا، خلافًا لمالكٍ، أفاده القاضي عبد الوهَّاب في كتابه «الأشراف بيننا وبين مالك»، انتهى، ولم يتعقَّب شيخُنا هذا الفرع، وقد قَدَّمْتُ أنَّ في «الأمِّ» خلافَه.
          أمَّا إذا مات شخصٌ وليس له وارثٌ وله عبدٌ عتق؛ فإنَّه يرثه عند بعضهم، وقد سُئِل رسول الله صلعم عن رجلٍ مات ولم يَدَعْ وارثًا إلَّا غلامًا له كان أعتقه، فقال رسول الله صلعم: «هل له أحدٌ؟» قالوا: لا، إلَّا غلامًا له كان أعتقه، فجعل رسول الله صلعم ميراثَه له، رواه أحمدُ وأهل السُّنَن، قال ابن قَيِّمِ الجَوزيَّة: وهو حديثٌ حسنٌ، قال: وبهذه الفتوى نأخذ، انتهى، وأخرجه الحاكم وقال: على شرط البُخاريِّ، والله أعلم. /